مشاركة المركز في الندوة التي اقامتها مجموعة التفكير الاستراتيجي
09/12/2017
الشعب الكردي السوري بين ثورة الشعب وصراع الاحزاب الكردية
05/01/2018

مأساة التعليم في سوريا

فلك يوسف شبيب

 المركز السوري سيرز

تستميت عدة جهات رئيسية في سوريا على فرض مناهج تعليمية جديدة، من شأنها ترسيخ الانقسام والانفصال بين ابناء الشعب الواحد.

هذا ما أحدثه الواقع الجديد، حيث مازال القتال والحصار والتهجير سمة الموقف هناك.

إن لانحطاط المنظومة التعليمية وتخلف المناهج الدراسية وطرق التعليم وقلة الخدمات، أثرا كارثيا على المستوى الثقافي والاجتماعي لكثير من أطفال سوريا مستقبلا، ذلك لأن قطاع التعليم، من أكثر   القطاعات أهمية التي تقيم بها المجتمعات، حيث تمثل معيارا فكريا، للتقدم والتطور والرقي.

تعمل كل جهة من الجهات المتحاربة التي افرزها نظام بشار على استغلال الوضع وبسط السيطرة وتأكيد الحكم، من خلال مناهج دراسية قامت بتأليفها وطباعتها، لنشر فكرها ومفاهيمها، والتأثير على عقول الطلاب، فيما الجيل الجديد هو الخاسر الأكبر الذي يدفع ثمن هذا الصراع الممنهج.

في نظرة سريعة على تلك المناهج والواقع التعليمي في البلد نجد أن نظام الأسد يحتل النصيب الأكبر في مدى البعد عن الحياة التعليمية والتربوية حيث اعتمد تغييرات جذرية في المناهج التعليمية بما يتماشى مع فكره ومصلحته لكي يرسخ سلطته ويشيد بشخصه وانجازاته الكاذبة.

فقد فرض على الطلاب مادة القومية ليثبت الأفكار والمبادئ والمفاهيم في عقول التلاميذ ويجبرهم على الانتساب لحزب البعث عبر القنوات المؤدية الى ذلك من خلال منظمات ونشاطات تبدأ من المرحلة الابتدائية وصولا الى المراحل المتقدمة تركز على تمجيد القائد الرمز الأبدي وانجازاته وشعاراته وما شابه ذلك……

ولا يخفى على الكثيرين مدى الفوضى التي تحدث منذ انطلاقة الثورة السورية

فقد قال وزير التربية في حكومة النظام السوري (أن هنالك 50 كتابا مدرسيا حسب المنهاج الجديد والمعدل للعام الدراسي 2017/2018 تم انجازها وطباعتها دفعة واحدة).

كما أضاف نظام بشار اللغة الروسية مع بداية عام 2016/2015، لتكون اللغة الأجنبية الثالثة، الى جانب اللغة الإنجليزية الفرنسية.

وفي حديث سابق لوزير التعليم هزوان الوز قال:

(الوزارة انتهت من جميع الاستعدادات لتعليم اللغة الروسية في كثير من مدارسها ابتداء من المناهج الى المعلمين والمدرسين مضيفا انهم سيقومون باستقدام 450 معلمة روسية لتدريس المادة).

وستدرس المادة للمرحلة المتوسطة، ابتداء من الصف السابع، ولا يخفى على الكثير ما للغة الروسية من أثار سلبية على الجيل من فكر ماركسي او الاهتداء به.

ولا يخلو الأمر من كونه سياسيا، كشكر للدولة الروسية على مواقفها الداعمة ووقوفها مع النظام والدفاع عنه

حذف التربية الدينية بحجة محاربة التطرف (تحدث عضو مجلس الشعب الناطق باسم النظام نبيل صالح ان بعض اعضاء مجلس تساءلوا في 28 يوليو تموز 2016 عن غياب توصيف الدولة بالعلمانية كما طالب بعضهم باستبدال مادة التربية الدينية بمادة الأخلاق ودمج الطلاب المسلمين والمسيحيين في درس الدين، كما طالب الفنان السوري دريد لحام الموالي للنظام والعضو في لجان تابعة لوزارة التربية في حكومة بشار مهمتها تغيير المناهج في 14يوليو/2016 ان مناهج سوريا تعلم الطائفية معترضا على تسمية مادة التربية الدينية في المناهج وجعلها التربية الإيمانية.

كما أن من أكبر ملامح منهاج النظام الجديد الذي اعتمده، التقليل من أهمية اللغة العربية، وادخال كلمات وأغاني لمطربين باللهجة العامية في المنهاج، كقصيدة الفيل يستحم:

طش…. طش …. اش …. اش، والتي وصفها وزير التعليم “انها لغة عربية فصحى ومناسبة لتعليم الطفل السلم الموسيقى”.

اما في كتب التاريخ فقد عاد الى التاريخ القديم الذي سبق الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلامية، الى الألف الثالثة قبل الميلاد ووضع صور لأغلفة الكتب كصورة لكاهن وثني او صور مرعبة.

كما ادخل النظام السوري السياسة مرة اخرى في مناهجه وكانتقام من مواقف تركيا تجاه دعمها للشعب السوري في ثورته ضده، بحيث غير في كتب التاريخ والدين والاجتماع، وخاصة ما يتعلق بالفترة العثمانية من انجازات وفتوحات.

ففي كتاب التاريخ طبعة 2017\2016 ألغى كلمات وعبارات تدل على الفتح والنصر، فقد استبدل كلمة “الفاتح” عن السلطان العثماني “محمد الفاتح” واستبدلها “بمحمد الثاني”

وكلمة” فتح” استبدلها بكلمة “استيلاء أو سقوط”، في عبارات تتكلم عن القسطنطينية والفتح العثماني وهكذا.

وليس ببعيد ما تفعله القوات الكردية في الشمال الشرقي من سوريا حيث تسيطر هناك، فقد استغلت الوضع القائم لتحقيق حلم لطالما حلمت به في اقامة الدولة الكردية والانفصال عن كل ما يذكرها بالعرب واللغة العربية، فقد أولت الإدارة الذاتية لحزب الاتحاد الديمقراطي المناهج أهمية، بأن ألفت وطبعت مناهج دراسية باللغة الكردية واستبدلت اللغة العربية باللغة اللاتينية، حيث كانت اللغة الكردية ممنوعة في عهد النظام سابقا، كما ادخلت مادتي المسيحية والأيزيدية مع الديانة الاسلامية.

“اما داعش فقد أسست دواوين أشبه بالوزارات الحكومية ومنها ديوان التعليم حيث ألغى مناهج التعليم السابقة وأنشأ المدارس ليضع منهاجا يناسب عقليته وفكره، كما قلص عدد سنوات الدراسة من 12 عاما الى 9 أعوام، واعتمد التقويم الهجري، وأنشى مدارس “الجهاد “ومعسكرات تحت مسمى اشبال الخلافة، كما أخضع المعلمين لدورات الاستتابة

“التوبة عما كانوا يدرسونه من كفر وشرك”، ومن يتخلف يعد كافرا ويحل دمه وماله.

كما منع الاختلاط بين المعلمين والمعلمات، ويتم الفصل بين الذكور والاناث من الطلبة

كما فرض على مراحل التعليم كتاب دليل المعلم، حيث يشرح أساليب داعش في تدريس المناهج، وكتب عدة كتب أهمها كتاب العقيدة للصف الأول يتكلم صراع اهل الحق والباطل والطواغيت والديمقراطية، وأهم أهداف الكتاب هو تبرير كل عمل يقوم به الطالب بشرح خاطئ، وكتاب الفقه والتوحيد الذي يتبنى الفكر السلفي الجهادي، وكتاب الجغرافيا الذي يتضمن عدم الاعتراف الجغرافي بين الدول، وكتاب اللغة العربية الذي يتضمن كثيرا من الأمثلة البعيدة عن الفصحى، وكتابي الاعداد البدني و التربية الجهادية اللذان يركزا على القتال واستخدام السلاح، وكتب الفيزياء والكيمياء وحذف الكثير من مضمونهم، وكتاب عقيدة المسلم حيث طوع آيات قرآنية كثيرة فيه لتبرير ما يقوم به من اعمال

وكتاب الرياضيات حذف منه الكثير ووضع امثلة تحض على القتل.

اما تعليم السوريين في بعض المناطق التي يصعب الوصول اليها بسبب الحصار والحرب فمأساة أكبر، حيث ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف): “ان أطفال سوريا واجهوا معاناة غير مسبوقة مع تصاعد اعمال العنف في العام 2016 ما جعل هذه السنة هي الأسوأ على الاطلاق منذ اندلاع الحرب حيث يقدر عدد الاطفال الذين يعيشون بتلك المناطق بحوالي 2.8مليون طفل سوري”، وهذا يعني حرمانهم من التعليم بسبب قصف مدارسهم او تدميرها او هروبهم.”

هذا عدا عن حالات القتل والتشويه وتجنيد الأطفال، وعدا عن عمق المعاناة التي يتعرض اليها ملايين الأطفال يوميا واصابة الكثيرين منهم بجروح تلازمهم مدى الحياة والتي تترك اثارا وخيمة على صحتهم النفسية والجسدية وعلى مستقبلهم.

كما اظهر تقرير اللجنة السورية لحقوق الانسان استهداف “132”مدرسة تعليمية خلال عام 2016، قام النظام والطيران الروسي باستهداف 113 استهداف منها.

اما عن الاطفال في دول اللجوء والذين هم في سن الدراسة فكثير منهم خارج النظام التعليمي بسبب الحاجة للعمل بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.

كما ان الفقر والتهميش الاجتماعي وانعدام الأمن وحاجز اللغة من أهم العوائق أمام الأطفال في بلاد اللجوء.

فقد ذكر تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش ان 250 ألف طفل سوري بلا تعليم في لبنان

ويسمح لبنان بالتحاق الاطفال السورين بالمدارس الحكومية مجانا الا ان عدة عوامل منها الدخل المحدود للأهالي وسياسات الاقامة بحق اللاجئين تدفعهم الى ارسال اولادهم الى العمل بدلا من التعليم حسب ما نشرته المنظمة لعام 2015\2016

كما ذكرت مفوضية اللاجئين بأن 3.5 مليون طفل لاجئ خارج نطاق التعليم لعام 2016.

وذكر تقرير لمنظمة هيومن رايتس في تموز 2016 ان أكثر من نصف اللاجئين في لبنان والبالغ عددهم 500 ألف لا يحصلون على تعليم رسمي تعترف فيه الحكومة اللبنانية.

أما في الاردن وفي عام 2016\2017، فقد ذكر تقرير حكومي ان” 24542″ فتى وفتاة سورية التحقوا بالتعليم النظامي ليصل عدد الطلاب الى 170الفا، لكن تشير بيانات التسجيل في الحكومة الأردنية نشرت في نيسان ان فقط 125الف طفل مسجلين في التعليم النظامي ونحو 40210 طفل لا يستفيدون من اي تعليم.

اما تركيا فقد واجهت الكثير من المصاعب والتحديات لاستيعاب اللاجئين السوريين في سن التعليم، منذ تدفق اللاجئين حتى عام 2016 عندما وصل العدد 2.7 مليون لاجئ، حيث ان %50 من اللاجئين تحت سن 19 عاما تجري لهم عملية دمج في النظام التركي التعليمي، وبخطوة ذكية أطلقتها  الحكومة التركية عام 2016  ضمن خطة طريق لتعليم السوريين، قررت اغلاق مئات المدارس السورية التي اتسمت بضعف  الامكانات وخبرة الكوادر العاملة بها، واخذ  عدة اجراءات   لدمج الطلاب بالمدارس التركية، فعمدت وزارة التربية والتعليم التركية الى تنظيم دورات تأهيلية تربوية ل 514 مدرسا سوريا سيتولون نقل خبراتهم الى نحو 20 الفا من زملائهم بغية تقديم مستوى تعليمي عال ومتقدم وافضل للطلبة السوريين.

واخيرا نركز على ان من اولى اولويات جميع الأطراف الناشطة في مجال التربية والتعليم تشكيل هيكل واحد يضع معايير وتشريعات واتفاقيات تضمن حقوق الطالب في المساواة والتعليم وتدارك الأخطاء الواضحة في العملية التربوية للوصول بالطالب السوري الى بر الأمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *