العقوبات الجديدة لن تزيح الأسد!!
20/06/2020تصورات الطفل العامل لدور بدائل التعليم التقليدي كحل للتسرب المدرسي
21/06/2020من أين لك هذا؟
المركز السوري سيرز – مصطفى المصطفى
20.06.2020
ماذا لو طرحنا على عامة السوريين سؤالا عن مصدر معلوماتهم التي يتحدثون بها على أنها حقائق مطلقة، وعن طريقتهم في التفكير والمحاكمة، وعن ثقافتهم، وحتى عن مفرداتهم؟
مبدئيا، قد لا يعترض أحد على مقولة أن النظام الحاكم هو مصدر أغلب ما ذكر، بل وربما تتقبل الأغلبية أن معظم ما تلقيناه من النظام عبارة عن مغالطات وأكاذيب تفتقر إلى أدنى مقومات الموضوعية. ومن خلال الملاحظة والتجريب يتبين أن اتهام النظام بالمغالطة والكذب والتلفيق يستقبل من قبل المتلقي على أنه اتهام للنظام، أو شتيمة؛ فيصفق له! لكن المفاجأة تحصل عند محاولة الدخول في العمق والبدء بتفنيد بعض الأكاذيب والمغالطات وإماطة اللثام عنها. هنا، غالبا ما ينتفض المتلقي ويبدأ بالدفاع عن تلك المغالطات والأكاذيب معتقدا أن مثل هذه المعلومات أو الثقافة قد تراكمت لديه من خلال مجهود شخصي لا علاقة للنظام به.
في الحقيقة، أن رد الفعل هذا طبيعي، بل ربما يكون من المستحيل أن يتقبل المرء فكرة أن كل ما لديه تقريبا غير صحيح؛ فعندها سيجد نفسه أمام فراغ معرفي وروحي ثقيل. ولكن، رغم ذلك، لا بد من محاولات جادة ومتأنية في هذا السياق، خصوصا وأن الشعب السوري يخوض غمار ثورة من أخطر الثورات عنفا ودموية، فليس من المعقول أن يستمر السوريون المطالبون بحريتهم على نفس النمط الذي اعتادوا عليه في فترات ما قبل الثورة، فالثورة في حقيقتها محاولة لتغيير جذري على كافة الأصعدة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقيمية والثقافية.
إن الملفت للانتباه، هو قلة المحاولات الجادة على صعيد اجتثاث الثقافة السائدة وتحطيم مرتكزاتها، ومن ثم طرح ثقافة جديدة تناسب طبيعة التحولات التي تحصل في المجتمع السوري، رغم أن التقاعس عن هذه المهمة باعتقاد البعض يصل إلى مستوى الجريمة، فمن خلال معرفته بطريقة تفكيرنا والمخزون المعلوماتي الذي تحتويه أدمغتنا؛ ما زال النظام السوري قادر على التلاعب بالمشاعر وممارسة الحرب النفسية، والتأثير على توجهات الشارع الثوري بشكل عام، وهو ما زال يمتلك القدرة على شق الصف، وإفقادنا الثقة بأنفسنا أولا، وبالجهات التي يمكن أن تكون مصدر نجاتنا ثانيا. والملفت للانتباه أكثر؛ أنه حتى ولو لم يتعمد (النظام) أن يمارس الحرب النفسية، أو التعبئة والدعاية السياسية؛ فإننا من خلال تلك الثقافة وطريقة التفكير التي ورثناها عنه لا نستطيع التلفظ إلا بما يطرب آذانه!
للوهلة الأولى، قد تبدو عبارة “لا نستطع التلفظ إلا بما يطرب آذانه” غريبة. ولكن، وكمثال على تلك العبارات: هل يمكن التوقع أن النظام السوري تزعجه العبارات النقدية الممزوجة بالكراهية التي نطلقها تجاه الولايات المتحدة، أو دول الخليج، أو تركيا مثلا؟ وهل يمكن التوقع أن تزعجه تهمة العمالة لإسرائيل، التي هي باعتقاد الأغلبية الآمر الناهي في هذا الكوكب، أليس مثل هذا المعتقد يعني – في النهاية – استحالة سقوطه؟ ألا تسعده طرح الشعارات الإسلامية المتشددة مثلا؟ وهل يتضايق النظام السوري من اللغة الطائفية التي يتحدث بها البعض؟ على هذا المنوال بإمكان المرء أن يذكر الكثير في هذا السياق، حتى ليكاد يقول: حقيقة، ربما لم نزعجه بقدر ما أسعدناه. وهنا لا بد من ذكر حادثة حصلت في بداية الثورة عندما لجأ النظام إلى أسلوب الاستخفاف بالعقول عن طريق إرسال مجموعة من المسؤولين في المنطقة للقاء الأهالي والاستماع إلى طلباتهم. وهو في هذه المحاولة أراد تقزيم المطالب وشق الصف عن طريق إسكات البعض ببعض المغريات الوهمية، فكانوا يجمعون الناس ويسألونهم عن مطالبهم، وبالفعل كانت معظم المطالب ساذجة وبسيطة كما كانوا يتوقعون (تزفيت طريق، السماح بحفر بئر، السماح بالبناء المخالف، وهكذا)، لكن حادثة تسربت تفاصيلها، تشي بالكثير مما نرغب بتوضيحه، حيث قال أحد الحضور: ليس لقريتنا مطالب خاصة، نحن مع مطالب الشعب السوري بشكل عام، وهذا ما جعل أعضاء الوفد ينهون الاجتماع بطريقة انفعالية مصحوبة بالتهديد الذي أصبح واقعا عندما تم اغتيال قائل تلك العبارة بعد أيام قليلة.
إذن، فالشخص الغير ساذج يعتبر في نظر النظام السوري شخص غير مرغوب به. وعليه، فحتى السذاجة التي يلاحظها البعض لدى شريحة لا بأس بها من السوريين، هي من صنع النظام. وبعبارة أدق: إن الثقافة، والمعلومات، وطريقة التفكير التي اختارها النظام السوري للسوريين؛ جعلت شريحة واسعة منهم يبدون كالسذج. وذلك من أجل جعلهم جاهزين لتقبل معلومات مثل: كان ليتر المازوت بسعر كذا، وكانت ربطة الخبز بسعر كذا، دون أن يخطر في بال أحدهم أن يقول: ولكن رغم ذلك لم يكن الدخل يكفي، وكان المواطن يحتاج لأكثر من عمل واحد لكي يعيش.
ومن أجل أن نكون أكثر إنصافا؛ ليس النظام السوري وحده من يلقن شعبه ما يريد ويخفي عنه ما يريد، فالمواطن في العصر الحديث يقع تحت الهيمنة الكاملة للأيديولوجيا السائدة في النظام الساسي في بلده، فالطبقة الحاكمة – عموما – تحاول من خلال الوسائل التي تمتلكها (الإعلام، التعليم، التثقيف الحزبي، وغيره) أن تؤثر وتغير مواقف مواطنيها على نحو تتوخى منه تحقيق أهداف الخط السياسي الفكري الذي تتبناه. وعليه، يخطئ من يعتقد أن ما تعلمه في المدرسة أو الجامعة يعتبر في منأى عن تحكم السلطة، ونفس الحكم يندرج على ما يسمعه المرء من المعلم والمدرس والأستاذ الجامعي، بل وحتى رجل الدين.
وكدليل على أن النظام السوري فعل فعله في تكوين الشخصية السورية؛ ربما يلاحظ الجميع أن تهمة البعثي توجه إلى الكثير من الشخصيات المعارضة عندما تتبوأ موقع المسؤولية، رغم أن المتهم إما أن يكون شخصا منشقا عن البعث، أو أنه لم ينتسب للحزب سابقا، لكن التهمة تأتي من خلال السلوك، فالبعثية سلوك أكثر من كونها مجرد انتماء، ومن سماتها: التملق، والإقصاء، والكيدية، والنفاق، والتحيز للبطانة، والنفعية بمعناها السلبي، وعشق السلطة، وإلى ما هنالك من صفات ذميمة. ومثل هذه الصفات عندما توجد في شخص ما؛ تدعو الناس إلى اتهامه بالبعثي. وبالفعل، يلاحظ بعضنا أن بعض هؤلاء عندما يتصدى لإلقاء كلمة في إحدى المناسبات يستخدم خطابا يُظن أنه استخدمه سابقا في إحدى المناسبات البعثية، واكتفى بتبديل بعض العبارات أو الكلمات لتتناسب مع الحالة الجديدة. ويُعتقد أن كل هذا طبيعي، فمغادرة الإطار من أصعب الأمور، وهو يحتاج إلى جهد مضن.
من أين لك هذا، من أين حصلت على معلوماتك وقناعاتك، مقالة تقديمية لسلسلة من المقالات سنحاول من خلالها التفكير من خارج الصندوق، والتدرب على طرق جديدة في المحاكمة والتفكير، وهي مقدمة ضرورية لجعل القارئ على استعداد لأن يتقبل ما قد يراه غريبا في المقالات القادمة، فكثير من المعلومات التي نعتبرها حقائق مطلقة، هي بالأصل أكاذيب لا أساس لها، أو أنصاف حقائق قدمت بطريقة ما، لهدف ما.
لتحميل المقال بصيغة بي دي اغف PDF↓