عودة الدفء للعلاقات التركية المصرية.. الدوافع والفرص والتحديات
محمود عثمان
بعد سنوات من التوتر السياسي، قام وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بزيارة رسمية للقاهرة، في أول زيارة لمسؤول تركي رفيع المستوى لمصر، بعد عقد من العلاقات المتأزمة بين البلدين.
الانفراج في العلاقات بين البلدين بدأ في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عندما التقى الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان، على هامش افتتاح كأس العالم لكرة القدم في العاصمة القطرية الدوحة، ثم تبعتها زيارات استكشافية لمسؤولي من البلدين، عملت على تذليل العقبات أمام عودة العلاقات الطبيعية بينهما.
وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد زار تركيا الشهر الماضي، تعبيراً عن التضامن بعد الزلزال المدمر الذي أودى بحياة عشرات الآلاف في تركيا.
في المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره المصري، قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إنه يجري حاليا التنسيق لعقد لقاء بين الرئيسين عبدالفتاح السيسي، ورجب طيب أردوغان، وأكد جاويش أوغلو أن العمل جارٍ لإعادة تبادل السفراء مع مصر خلال الفترة المقبلة، مضيفاً أن مصر دولة مهمة في حوض المتوسط، وتعهد بتعاون أكبر بين أنقرة والقاهرة خلال الفترة المقبلة، على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي.
من جهته وصف وزير الخارجية المصري سامح شكري المباحثات الثنائية مع نظيره التركي بالمهمة والشفافة، مشدداً على ثقته باستعادة العلاقات مع تركيا بشكل قوي. وقال شكري إن بلاده تسعى لتطبيع العلاقات مع تركيا في كافة المجالات، وأكد على وجود إرادة سياسية لإطلاق مسار للتطبيع الكامل مع أنقرة.
دوافع التقارب التركي المصري
أحدثت حالة عدم وضوح الأجندة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط فراغا استراتيجيا مهما، دفع دول المنطقة، بعد فترة من الانتظار والترقب، إلى إعادة النظر في تموضعاتها السياسية، وشجعها على البحث عن بدائل وحلفاء جدد، وفق أجنداتها السياسية ومصالحها الاستراتيجية.
ولأن التوجه الأميركي الجديد لا يهتم بالتفاصيل، فقد وجدت دول المنطقة فرصة ذهبية لترتيب أوضاعها بشكل مستقل، معتمدة على هامش كبير في حرية الحركة.
ولأن مصر وتركيا دولتان كبيرتان رئيسيتان في منطقة الشرق الأوسط، وهما من أكثر الدول الإقليمية انخراطاً في القضايا الإقليمية، وقضايا البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا، فقد كانت الحاجة ملحة لعودة العلاقات بينهما، بما يعزز السلام والاستقرار في المنطقة.
الدوافع التركية للتقارب مع مصر
تتعدد الدوافع التركية للتقارب مع مصر منها دوافع داخلية وخارجية، حيث ظهرت في الآونة الأخيرة عدة متغيرات تتمثل في:
الدوافع المصرية للتقارب مع تركيا:
تحديات التقارب التركي المصري وانعكاسه على الأوضاع الإقليمية
على الرغم من مساعي أنقرة لخلق معادلات جديدة في سياستها الخارجية، واتجاهها نحو ترميم علاقتها مع جميع دول المنطقة، وفي مقدمتها مصر، فإن الأمر لن يكون بهذه السهولة، بسبب تعدد العقبات التي من الممكن أن تقف حائلاً دون التوافق التام بين البلدين. حيث تختلف أجنداتهما على أكثر من صعيد، وفي أكثر من ساحة. وخصوصاً في سوريا وليبيا والعراق.
يقابل التوجه التركي حاجة مصرية لإحداث اختراق فعلي، على صعيد الملفات السياسية، تمهيدا لفتح المجال أمام التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي، الذي تعول عليه مصر للخروج من أزمتها الاقتصادية الخانقة
ثمة توجه تركي حقيقي نحو التقارب مع مصر تحديداً، جسده تصريحات الرئيس أردوغان بقوله: “نتمنى من قلوبنا أن يستمر التعاون في هذه المجالات الاستخباراتية والاقتصادية، حيث بالطبع سنخطو للأمام بعد المفاوضات السياسية والدبلوماسية”، مضيفاً أن “الشعبين المصري والتركي ليسا بغرباء عن بعضهما البعض، ولا يجب أن يكون المصريون بجانب اليونان”، متابعًا: “إن وجود الشعب المصري بجانب اليونان أمر غير وارد، نود أن نراه حيث يجب أن يكون”.
ويقابل التوجه التركي حاجة مصرية لإحداث اختراق فعلي، على صعيد الملفات السياسية، تمهيدا لفتح المجال أمام التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي، الذي تعول عليه مصر للخروج من أزمتها الاقتصادية الخانقة.
أحداث السنوات الأخيرة أثبتت عدم جدوى سياسات التجاذبات الراهنة، خصوصاً في ظل المتغيرات التي طرأت على الأوضاع الدولية والإقليمية.
الفرص مواتية، والتحديات كبيرة، فهل سيكون التقارب التركي المصري مجرد مناورة سياسية، أم يتطور ليصبح نواة لتحالف استراتيجي يقود المنطقة، التي أرهقتها الحروب والنزاعات، إلى بر الأمان؟!