صفقة فيروس كورونا … أم فيروس صفقة العصر!!
عمار هارون 28.01.2020
لقد تعاطى الناس مع صفقة العصر بشكل كبير حتى وصموا تلك الصفقة بالخيانة الكبرى وأنها بيع لفلسطين ومقدساتها وشعبها ونضالهم الطويل المرير مع العدو اليهودي وكذلك بيع لدماء شهداء الانتفاضة في وجه محتل غاشم جاثم على قلب الأمة العربية والاسلامية منذ عهد بعيد، لتأتي صفقة مشبوهة أُعدت وطُبخت في مطابخ العم سام مع مستشارين معروفين بدعمهم ومؤازرتهم لإسرائيل وعدائهم للأمة العربية والإسلامية وللمشرق والمغرب. وللآن لم يُفصح عن محتويات تلك الصفقة ولا بنودها وإنما قُدم لها بإرهاصات -على أن يفصح عنها الرئيس ترامب غدا الثلاثاء- ومؤتمرات لئيمة كانت تُعقد هنا وهناك وأشهرها مؤتمر البحرين حيث قدم مهندس الصفقة بلا منازع جارد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي ترامب بعض ملامح الاتفاق واعداً الفلسطينيين بالرفاهية الاقتصادية على حد زعمه على حساب قضية الأقصى المبارك ورميته المقدسة عند المسلمين.
رافق قرب ظهور بنود ومعالم هذه الصفقة الظالمة أحداث جسيمة وقعت في عالمنا العربي والإسلامي تحمل في طياتها مبشرات بقدوم عهد جديد (حسب الرؤية الأمريكية الإسرائيلية) يعم فيه السلام المزعوم والوعود الكاذبة بالرفاهية للشعب الفلسطيني المصابر وهذا كله كذب وافتراء وادعاء وإنما هي في حقيقة الأمر مخططات لاجتثاث الانتفاضة الفلسطينية وبالطبع سيتبعها اجتثاث للثورة السورية والعراقية واللبنانية وكل انتفاضات العالم الحر الذي يئن تحت وطأة حكام باعوا مستقبل البلاد والعباد بدراهم مشبوهة ووعود كاذبة بحلول الربيع العربي الجديد بحلته البهية الشرق أوسطي العالمي لكن بزعامة أمريكا واليهود وداعميهم من الدول الكبرى كروسيا وأوروبا.
دعونا نسرد واقع الدول العربية المحيطة بمركز الصفقة ونتبين ما هي الأجواء التي هُيأت لهذه الصفقة والأسس التي ستنبني عليها، فهل الواقع الراهن مستعد لاستقبال المولودة السقط الذي جاءت من سفاح حرام:
سوريا والصفقة
هجوم إدلب النازي الذي يُستخدم فيه الصواريخ من البارجات الروسية وطيرانها الذي ملأ سماء سوريا وبراميل النظام المتفجرة حقداً وتفجيراً يُصب على شعب أعزل إلا من إرادته الحديدية ويُدفع للنزوح قسراً إلى المجهول، لهو أحد بنود الصفقة حيث تهيأ الأجواء لاستقبال مشروع الصفقة، وبالطبع تحت ظل هذه الظروف لن يكون لأحد ولا حتى للمعارضة الهشة موقف حيث الوضع متجه إلى فرض واقع على المنطقة وسلام مريض مزعوم في سوريا عناوينه: اقبلوا بالصفقة نعطكم بعض فتات السلام على الطريقة الأمريكية والروسية. بمعنى آخر لن تهنأ سوريا بسلام كما يدّعون إلا بعد إبرام صفقة القرن وحلا شاملا لمشكلات المنطقة حسب توجهات الدول الكبرى.
مصر الشقيقة
إن مصر في عهد السيسي أصبحت بوضع لا يرثى له حيث ترزح مصر تحت وطأة حكم انقلاب عسكري مجرم وغارق في الاجرام حوّل مصر الكنانة إلى وضع مأساوي كله إهانة واستكانة. فالشعب المصري أصبح يبحث عن لقمة عيشه في جو اقتصادي مر وفاقة لم تعهد من قبل حيث انشغل الناس بأنفسهم عن الأمور العظام التي تحاك لمصر والأمة العربية والإسلامية في ظل بيع كل مقدراتها الثمينة لليهود ومن لف لفهم وكذلك مصادرة القرارات التي يجب أن تراعي حقوق الشعب المصري وليس كما فعل السيسي حيث سلم الأمور لداعميه في الخارج، فوضع مصر مهيأ لاستقبال الصفقة على صحن من فضة.
العراق
ليس وضع القطر العراقي الشقيق بأحسن حال من سوريا الجريحة ومصر المضطهدة، حيث يجثم على صدرها مجموعة حكام جاءوا بموافقة أمريكية ممهورة بتوقع إيراني تُنفذ ما يريده المحتلان على أتم وجه ولكن يأبى الله إلا أن ينغص عليهم صفقتهم حيث قام الشعب العراقي الحر الأبي وانتفض ضد جلاديه المحليين والخارجين والأمور متجهة للتأزم والتعقيد بعد مشاركة الحشد الشعبي وقوات الدعم الإيرانية بمحاولة لإجهاض الحراك السلمي العراقي وأوقعوا قتلى في صفوف الحراك السلمي مما زاد من جذوة الانتفاضة السلمية في العراق لجميع. وعلى أية حال الصفقة ماضية حيث هكذا أراد لها صناع القرار العالميين ولو على حساب الشعوب المقهورة.
اليمن السعيد
اُبتلي اليمن الذي كان سعيدا بجماعة الحوثي التي تتحكم بمصيره وهذه الجماعة مرتبطة كلياً بإيران، والوضع المأساوي باليمن ينذر بمجاعة عارمة تشمل عامة الشعب كما حذرت الأمم المتحدة بل زاد فوقها أمراض وأوبئة تفتك بالشعب اليمني وليس هناك من يداويه فجراحه ثخينة وآلامه عريضة، ولكن آمال الشعب اليمني أكبر من خانقيه فهو لا يقبل الضيم ولو أفنى عمره في قتال المتسلطين المتربعين على كرسي قراراته والا فهو من طلائع شعوب المنطقة رفضا لصفقة القرن وتوابعها. وبالطبع الصفقة ستمر حيث لن تجد أحد للاعتراض مادامت الشعوب في هذه الحالة.
الخليج العربي وإيران
وعلى رأس دول الخليج العربي أكبرها مساحة وتأثيراَ السعودية التي تعاني من مشاكل اقتصادية ومالية كبيرة حيث غادرها ملايين المقيمين غير السعوديين بسبب تعثرات الاقتصاد والرسوم الثقيلة التي فرضت هناك عليهم. وكذلك قضية التجسس على مالك موقع أمازون جيف بيزوس وقضية الصحفي جمال خاشقجي واغتياله وتبعاتها لا تسمح للوضع في السعودية وبالطبع تبعاً لها الخليج في أن تقف موقفاً حازماً من الصفقة التي ستمر بدون أي عقبات تذكر.
أما إيران فلقد غاصت حتى أذنيها في حروب الوكالة في سوريا لبنان اليمن والعراق وعلاوة على ذلك الانتفاضة الشعبية داخلها والحصار الاقتصادي الخانق ومشكلة الصفقة النووية، فكلها لن تجعل إيران إلا تابعاً ومنفذاً لبنود صفقة القرن حيث لا تستطيع أن تقاوم الضغط العالمي الأمريكي والأوربي بالإضافة لتبعات عملة اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني وبعضاً من القادة الإيرانيين والعراقيين الذين اُستهدفوا في الغارة الأمريكية وهذا يوحي لنا باستسلام تام لإيران لا منازعة فيه (هذا عدا عن موقفها المذبب من قضية فلسطين).
المغرب العربي
مشاكل المغرب العربي تبدأ بليبيا ولا تنتهي عند الجزائر والمملكة المغربية. لا يوجب للآن رفضاً واضحاً رسمياً للحكومات في المغرب العربي – بالطبع ماعدا الشعوب العربية والإسلامية – حث تموج المشاكل الاقتصادية والشعبوية في هذه البلدان فهي مشغولة بحالها: فلا اتفاق على حكومة في تونس للان، ولم يهدأ الشارع الجزائري حتى بعد انتخاب رئيس جديد، وليبيا على أعتاب حرب أهلية فلم يبقى إلا المملكة المغربية وموريتانيا فهما أضعف من أن يقفا حجر عثرة في مواجهة الصفقة الدولية .
الصين وفيروس كورونا
تنشغل الصين في هذه الأيام بفيروس كورونا المدمر الذي بدأ ينتشر ويتفشى كالنار في الهشيم بين الشعب حتى بلغ عدد المحجوز عليهم ظن الإصابة بالفيروس أكثر من 40 مليون فكورونا هو الوحيد الذي انتصر بإرادة إلهية للمسلمين الإيغور المضطهدين في معسكرات الاعتقال في محولة لمسح ومسخ الهوية الإسلامية لهم داخل هذه المعتقلات. إضافة لهذا الهم الكبير – والذي اعتقد أن وراءه ما وراءه – التوقيع في هذا الوقت الحساس على اتفاقية الشراكة التجارية مع خصمها اللدود مهندس صفقة القرن أمريكا وأظنه اتفاق آني لن يطول حتى تمر الصفقة بأمان ولا يعتقد أحد أن الصين ستعترض على الصفقة إذ همها الأول اقتصادي وسيادي أكثر من قضية شعب فلسطين أو الدول العربية والإسلامية المتأثرة بهذه الصفقة. (وعليه أقول أن صفقة فيروس كورونا سيجعل الصين تقبل لكل بنود الصفقة)
ولنا كلمة أخيرة
إذا كان الإعلان عن صفقة القرن من الرئيس الأمريكي ترامب في يوم الثلاثاء، فإنهم قد هيأوا للأمر منذ زمن بعيد. وما اجتماع زعماء العالم في القدس يوم الجمعة الماضي للتباكي على ضحايا اليهود قبل 75 سنة في معسكر في بولندا إلا إشارة واضحة أن الجميع موافق وموقع على هذه الصفقة أو في الحد الأدنى غير معترض والتي ستغير من موازين المنطقة لصالح الكيان الصهيوني الإسرائيلي بإجماع عالمي تام تم في الذكرى ال 75 لمعسكر الاعتقال أوشفينيز، إن لم يكن يعتبر هذا التجمع إعلاناً تمهيدياً ومواقف الدول منها.
ولو حاولنا أن نقيم الوضع العربي والإسلامي في هذا الوقت بالذات نراه في أسوء حالاته للأسف الشديد وأكثر جاهزية لتقبل صفقة القرن بالطبع على مستوى الحكومات. أما الشعوب فأظن أن لديها كلام آخر ومواقف مختلفة جداً عما يبديه حكامها الظالمون وأني لاعتقد جازماً أن قسوة الأحداث والبلايا التي ما صُبت على شعوب المنطقة وأخص بالذكر هنا سوريا والعراق إلا لأنهم شعوبا ثائرة بالفطرة وترفض الضيم وتحارب كل نقيصة، لذلك عمدوا الى إذلالها وتشريدها والانتقام منها كي يخلو لهم الجو لإعلان صفقة القرن بدون وجع رأس ولا اعتراض معترض ولا نقنقة حاكم، فالكل متبع وباصم بالعشرة.
فمن سيقف في وجه صفقة القرن المنتظرة؟ لن يوقف هذه المهزلة التاريخية للصفقة التي تعتدي على مقدساتنا وحقوق شعبنا إلا رحمة الله ومن ثم تراصّ صفوف الشعوب العربية والإسلامية لتشكل سداً منيعاً بوجه طغيان الأنظمة المستبدة وفرض إرادات لا تتناسب وشعوب المنطقة التي هي أصلا تحت الغليان رافضة لأي تسوية على حساب كرامتها ودينها ومستقبلها.
وإن غداً لناظره قريب