ألمانيا والهموم الأوروبية في فترة رئاستها للاتحاد
29/06/2020
هل ينصف القيصر الامريكي الشعب السوري من القيصر الروسي؟
30/06/2020

شبح كورونا والشمال المحرر

المركز السوري سيرز – مصطفى المصطفى

15.06.2020

    بينما كان وباء كورونا يتأهب لاجتياح العالم منطلقا من الصين؛ كان النظام السوري وحلفاؤه يكدسون النازحين في الشريط الحدودي الملاصق لتركيا من خلال حملة عسكرية شرسة استطاعت قوات النظام من خلالها بسط سيطرتها على قسم كبير من المحرر، ورغم أن هذه الحملة توقفت نتيجة التدخل التركي، إلا أن الأزمة الإنسانية التي خلفتها ما زالت مستمرة، فحسب التقرير الصادر عن منظمة: “منسقو استجابة سوريا” بتاريخ 4 شباط 2020 بلغ عدد النازحين بسبب تلك الحملة (349889 نسمة) حيث ما يزال العدد الأكبر من هؤلاء خارج منازلهم يقطنون الخيام أو المنازل المكتظة في ظروف مأساوية، فقد أصبحت الكثافة السكانية المرتفعة سببا إضافيا يدعو المعنيين والمهتمين للقلق، وبدأت معظم المنظمات الدولية والإقليمية تباعا تطلق تحذيراتها بأن انتشار “وباء كورونا” في تلك المناطق قد يتسبب بكارثة إنسانية.

    لماذا التحذير من كارثة؟

    في مواجهة الانتشار السريع لوباء كورونا ينصح الأطباء والساسة المواطنين في جميع أنحاء العالم بضرورة الالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي كوسيلة أكثر نجاعة في الحد من انتقال العدوى حتى الآن، ويقصد بالتباعد الاجتماعي: الابتعاد عن التجمعات البشرية بشكل عام. ويشمل التباعد الاجتماعي منع الاتصال الجسدي بين الأفراد حتى بين أفراد العائلة الواحدة، وينصح الخبراء والمختصون بأن يتم الحفاظ على مسافة لا تقل عن المترين في حال اضطرار البعض لأن يكونوا معا في مكان واحد، وإذا علمنا أن الهدف من إجراءات التباعد الاجتماعي هو كسر الوتيرة المتصاعدة للإصابة بالفيروس والحد منها على المديين القصير والبعيد تكون الصورة أصبحت أكثر وضوحا؛ فالوتيرة المتسارعة لانتشار الوباء جعلت الأنظمة الصحية في الدول المتقدمة تشتكي من عدم مقدرتها على مواجهة الوباء وتقديم الرعاية الكافية لمواطنيها، ومن خلال مقارنة بسيطة بين الأنظمة الطبية المتوفرة في تلك الدول والنظام الطبي – إذا جاز أن نسميه نظاما طبيا – في المناطق المحررة والذي تعطلت الكثير من مرافقه نتيجة الاستهداف المباشر لها من قبل الطيران الحربي التابع للنظام وحلفائه خلال الحملة العسكرية الأخيرة على إدلب، نكون قد أشرنا إلى أولى النواحي التي تدعو للقلق.

    من جهة أخرى، يعتبر غياب الحكومة القادرة على إدارة الأزمات مصدرا آخر للتخوف، فمواجهة وباء بهذا الحجم ليس مسؤولية الجهاز الطبي وحده، ويلاحظ الجميع أن حكومات العالم استنفرت طاقاتها لمواجهة هذا الوباء، بينما الحكومة السورية المؤقتة لا تمتلك ما يكفي من السلطات والموارد ما يؤهلها لمواجهة مثل هكذا أزمة وإدارتها.

    إضافة إلى ما سبق هناك عامل الفقر، والذي يعاني منه العدد الأكبر من سكان تلك المناطق. وعند الحديث عن الفقر يتبادر إلى الذهن فورا عدم مقدرة الفقير على التوقف عن العمل للالتزام بإجراءات الحجر المنزلي، ويتبادر إلى الذهن ضعف التغذية بما يعنيه من ضعف في جهاز المناعة، وكذلك ضعف المقدرة على اقتناء المنظفات والمعقمات ومستلزمات الوقاية، ومع الفقر يمكننا أن نتصور منزلا ضيقا، أو خيمة مكتظة بالأفراد، وإذا أضفنا إلى ذلك الجهل وما يعنيه من عدم اكتراث بالنصائح والإرشادات الطبية يصبح الفقر أحد أهم العوامل التي تدعو إلى القلق.

    وأخيرا، تعتبر الكثافة السكانية إحدى العوامل التي تقف حجر عثرة أمام إجراءات التباعد الاجتماعي فيما لو دعت الحاجة لها، ويكفي هنا أن نشير إلى أن مسافة المترين لا تتحقق في أغلب الأحيان بين خيمة وخيمة.

هل تنجو المناطق المحررة؟

     حتى تاريخ كتابة هذه الورقة كان الدكتور مرام الشيخ وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة يعلن عن خلو المناطق المحررة من أية إصابة بفيروس كورونا، إلا أن هذه المناطق تعتبر محاصرة بشبح الوباء، فالحدود الشمالية والغربية والجنوبية لها تتقاسمها كل من تركيا والمناطق التي تسيطر عليها قوات النظام، ويعلم الجميع أن تركيا دولة من الدول التي تفشى فيها الوباء، وكذلك الأمر بالنسبة للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وتبقى الجهة الشرقية حيث المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية وهي مناطق تتشابه ظروفها – إلى حد – ما مع المناطق المحررة. ورغم ذلك فإمكانية أن تحافظ المناطق المحررة على خلوها من الوباء واردة وباحتمالات كبيرة، وهناك أكثر من سبب يدعو إلى هذا الاعتقاد. فهذه المناطق تربطها معابر معدودة مع مناطق النظام ومناطق قوات سوريا الديمقراطية، وقد تم إغلاق هذه المعابر كإجراء احترازي منذ أكثر من شهر. أما المعابر التي تربط هذه المناطق مع تركيا فقد قامت الحكومة التركية باتخاذ الإجراءات الكافية للحد من تنقل الأفراد، ورغم استثناء القوات العسكرية من حظر الدخول والخروج إلا أن ذلك لا يشكل خطرا حقيقيا لجهة انتقال الفيروس، ويعود ذلك لسببين: أولهما أن تركيا لم تعلن حتى الآن عن تفشي الوباء في صفوف الجيش التركي. أما الثاني، فهو أن هذه القوات تتواجد في قواعدها، وعناصرها- بالعموم- لا يخالطون السكان المحليين.

من جهة أخرى، وكما يقال أحيانا: ” رب ضارة نافعة” فبسبب ضعف البنية الاقتصادية في المناطق المحررة باعتبارها مناطق غير مستقرة؛ هذه المناطق لديها المقدرة على إغلاق حدودها أكثر من الدول، فلا يوجد في هذه المناطق قطاع صناعي يمكن أن يتضرر، ولا قطاع سياحي، ولا غيره من القطاعات الاقتصادية التي تشكو الدول من تضررها نتيجة أزمة كورونا. أما الحاجة إلى إدخال بعض المواد الغذائية والإغاثية أو البترولية وغيرها من مواد ضرورية لاستمرار الحياة فيمكن القول: إنها لا تشكل خطرا هي الأخرى، فهذه المواد تنقلها شاحنات تدخل من المعابر الرسمية. وعليه، يكفي التأكد من سلامة سائقي تلك الشاحنات من خلال الفحوص الطبية المخصصة لهذا الشأن. وبالعموم، يمكن القول: إن الإجراءات المتخذة من قبل أصحاب الشأن بمساعدة بعض الجهات الخارجية تعتبر مقبولة حتى الآن. رغم ذلك، فالأمر لا يخلو من المخاطر التي يمكن أن تتأتى من مصدرين:

أولا- الخطأ: فرغم الإجراءات المتخذة عند المعابر فاحتمال الخطأ في التشخيص والفحوصات وارد، وربما يكون الاستهتار من قبل فرد أو أكثر ضمن فريق العمل أهم العوامل التي قد تتسبب في الخطأ، أو ترفع نسبة احتمالاته.

ثانيا- الفساد: وبالتحديد، عمليات تهريب العوائل والأفراد من مناطق النظام إلى المناطق المحررة، والتي تتم مقابل مبالغ مالية محددة.

إذن، فالتخوف من كارثة في حال انتقال الوباء إلى هذه المناطق ليس تخوفا مبالغا فيه، بل له أسبابه ومبرراته، وكذلك نجاة المناطق المحررة من هجمات الوباء احتمال وارد، إلا أنه يحتاج إلى المزيد من اليقظة والجدية لإنجازه، وأن تبقى الجهات المعنية في أعلى درجات الجاهزية والاستنفار، فالوباء إن حل في هذه المناطق؛ ستكون الصورة أشد قتامة مما يتصور البعض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *