سقوط الهيبة … أم هيبة القدوة؟!!
عمار هارون
لو استعرضنا مواقف الدول العربية وغير العربية من صفقة القرن فلن نجد اختلافاً كبيراً فمعظمهم قد أدلى نفس الدلو ، والصفقة فرصة تاريخية يجب أن تُستغل، وعلى الطرفين !! أن يجلسا ويتحاورا ويتفقا على نقاط التقاء. والخجِل منهم يؤكد على حق الفلسطينيين في العيش وفق قرارات الأمم المتحدة والحفاظ على حقوق الأخوة الفلسطينيين وحقهم العظيم في حياة كريمة تحت رعاية إسرائيلية حنونة وتنتظم حياتهم بهذه الطريقة ( ملخص الصفقة وموقف الدول منها ).
ولقد وددت أن أجد موقفا ذا هيبة قوية من دول عربية أو غير عربية – ماعدا تركيا – يكون موقف قدوة لي ولغيري نحذو حذوه ونتكئ عليه ونرفع رأسنا عالياً لنقول موقفنا عبرت عنه تلك الدولة وهي تمثلني. ولكن للأسف لم نجد تلك الدولة العربية التي انبرت شامخة بموقفها العتيد تجاه الصفقة ، بل على العكس فقد سقطت هيبة جميع الدول العربية وغيرها أمام هيبة صفقة القرن خوفاً من القرن كي لا ينطحها ويبعج موقفها المتورم والمتأزم والذي هو مبعوج بخلقته وهيبته ، إن كان أصلا له هيبة .
واصبحنا نبحث في مواقف المنظمات والقليل من المجالس التي فعلا قادت الرأي العام والهيبة العربية والإسلامية ببيانات تشرّف وترفع من هيبة المواطن العربي والإسلامي وكرامته ويقرأ موقفاً فيه استنكار واضح ورفض قوي لكل ما يمس هيبته وكرامته حتى ولو كانت الصفعة والرفسة جاءت من صفقة القرن وعلى رأسها ثور ترامب وتيس النتنياهو.
وفي ركام الأحداث المتضاربة والتي تلطمنا كل حين سواء من المأساة السورية الحقيقية ونزوح مئات ومئات الآلاف من السوريين في غضون أسابيع قليلة إلى مجهول لا يعرف قراره إلا رب العباد ، ونكبات الشعب السوري التي كانت يوماً ما تأمل في أن ترى موقفاً عربياً مشرفاً لها هيبة تُفرض على الواقع السياسي كي يترك أثراً طيباً في الناس تفخر به وتتذكره ، ولكن للأسف لم يتوفر هذا الموقف ولم نجد تلك الهيبة التي حلمنا يماً أن نراها . وكذلك تأزمت مشكلة الشعب الفلسطيني بصفقة القرن التي اطلقها الرئيس الأمريكي وشريكه في الجريمة نتنياهو فتكاثرت السهام والنصال على النصال ونُكأت جراحنا من وهن المواقف الدولية وعلى الأخص العربية والإسلامية منها حتى شعرنا في فقدان هيبتنا أمام المجتمع الدولي حيث لا صوت يعلو فوق صوت الصفقة.
ولكن لننظر بعين ثاقبة ونراقب بصيص أمل لا ينطفئ وهجه ونوره وشعاعه ويرفع عاليا من قاماتنا التي أحسسنا وقتا ما أنها لن ترتفع , فنرنو بعين الامل المفقود ولنرى أن هيبتنا لم تُمس وقدوتنا ما برحت رافعة الرأس ثابتة الجنان راسخة القدم تحلق في آفاق العالم ترفض أي انحناء اتجاه أي تيار مهما اشتد بل يشتدّ عودها ويقسى ظهرها. وفي الحقيقة أنهم أرادوا بهذه الصفقة وأشباهها من الصفقات امتحان الثورة السورية والفلسطينية وخلع هيبتها وهيبة الشعوب وطرحها أرضا ليخلو لهم الجو الدولي ويمارسوا فيه كل أنواع العهر والقهر ضد الشعوب عبر وكلائهم من الأنظمة المستبدة .
إن هيبة الشعوب هي القدوة التي ستنير درب العالم الحر، فصمود الشعب السوري الابي عشر سنوات عجاف لهو صمود اسطوري وكذلك الشعب الفلسطيني طوال هذه السنين لتعبث على الفخر والاعتزاز أن الدنيا ما زال فيها رجالا يسطرون بهيبتهم المبجلة أنقى وأصفى سطور المقاومة والصبر والعنفوان ضد كل أنظمة القهر العالمية التي ما فتئت تحارب هيبة الشعوب بكل قسوة وسطوة ولكنها تفاجأت أن الشعوب لا تقهر مهما مارسوا من أساليب وحيل وصفقات لعصور مديدة.
فهم جيل القدوة وله هيبته لا يدانيها هيبة في العالم فالشعب قال كلمته والقى على الجميع ظلالها :
إنا لصامدون حتى تحقيق النصر ولو بعد قرون.