جغرافية انتشار الكرد في سورية
د. حسين إبراهيم قطريب
أستاذ الجغرافية المشارك
مقدمـــة:
الشعب الكردي شعب له ثقافته ولغته وعاداته وتقاليده الخاصة، وتاريخه الخاص والمشترك مع شعوب المنطقة العربية والإسلامية في منطقة الشرق الأوسط، والإقرار بمظلمته والاعتراف بحقوقه السياسية والثقافية والإنسانية والاجتماعية في إطارها الوطني إنصاف وشجاعة بالوقوف مع الحق.
ومقابل هذا الإقرار يتوجب على الأخوة الكرد السوريين أن يكونوا واقعيين في مطالبهم، فإن حقائق الجغرافية السياسية لمناطق تواجدهم في سورية لا تدعم مطلب البعض منهم بالانفصال أو الإدارة الذاتية أو نظام الاتحاد الفيدرالي على مستوى المحافظات، لأنهم لا يشكلون أغلبية سكانية في أية محافظة من المحافظات السورية، فالأغلبية السكانية التي يشكلونها في بعض مناطق انتشارهم في شمال سورية لا تتجاوز حدود التقسيمات الإدارية على مستوى المناطق والنواحي.
ومن هذا المنطلق يتوجب عليهم أن يكونوا حذرين من أن يمتطي قضيتهم أصحاب الأجندة غير البريئة، وألا يذهبوا إلى تحقيق أحلامهم على حساب اخوانهم العرب السنة الذين يشكلون أغلبية السكان في مناطق تواجدهم، ويقطعوا أواصر الأخوة والعيش المشترك، التي دامت لقرون.
وعاش الكرد منذ سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية في عام 1923م في ظل قوانين الطوارئ والأحكام العرفية كغيرهم من شعوب المنطقة، وتعرضوا للاضطهاد والظلم بممارسات لا تقرها الأخلاق ولا القوانين الدولية ولا الشرائع السماوية، وعانوا من محاولات صهر الهوية والثقافة، بفعل السياسات القومية للحكومات، وعانوا من حرمان حقوقهم الثقافية والسياسية وحتى المدنية في بعض الحالات، كحالة الحرمان لبعضهم من الجنسية في سورية.
وبالرغم من أن السياسة السورية تجاه الكرد شأنها شأن مثيلاتها في الدول الأخرى قامت على التخوف من الطموح الكردي في تقرير المصير على حساب الجغرافية الوطنية، ومن أن يصبح الكرد ورقة رابحة بيد اللاعبين الإقليميين والدوليين ضد بلدهم، إلا أن سورية كانت أقل تعسفا بحقهم
من غيرها، ربما لأن كرد سورية لم يمارسوا العنف في نضالهم كما مارسه كرد تركيا وإيران والعراق.
ولكن عانى كرد سورية من السياسة القومية لنظام حزب البعث العربي الاشتراكي التي تمثلت بسياسة التعريب ضد الأقليات العرقية وعلى رأسهم الكرد، والسياسة السكانية لحكم الأقلية العلوية، التي استخدمت الأرقام السكانية في التضليل السياسي الجيوبوليتيكي والتغيير الديمغرافي.
فمنذ إحصاء عام 1970م أخفى النظام المعلومات السكانية على أساس اثني أو مذهبي، خوفا من الأكثرية السكانية السنية، وخوفا من الكتلة السكانية الكردية القومية، فآل أمر الإحصاءات السكانية العرقية والدينية لهوى التقديرات السياسية، التي تتبع لأغراض أصحابها وأهوائهم.
وكان النظام السوري القومي الطائفي أحد أهم الأطراف التي استخدمت المبالغة في حجم الكتل السكانية لأهداف سياسية، فأعطى للعرب نسبة 90% من السكان، وللعلويين نسبة 11% من السكان، وقلل من نسبة الأقليات والمكونات الأخرى، وخاصة الكرد فأعطاهم 8,5% من السكان.
وهكذا أعطى النظام قيمة عليا للنسب السكانية أكثر من إعطائه القيمة للإنسان وبنائه، لا بل احتقر الإنسان واضطهدته، فاضطرت المكونات السكانية المظلومة في سورية للبحث عن ذاتها ضمن مفهوم الحجم السكاني والمبالغة في تقدير حجمها، ومنها المكون الكردي، حيث بالغ الناشطون الكرد في تقدير حجم الكرد في سورية وأعطوه نسبة 18% من حجم السكان، والنسبة الحقيقية لهم في أحسن الأحوال لا تزيد عن 11%.
والحجم السكاني العددي لا يعني الشيء الكثير في الجغرافية السياسية، وإنما هناك عوامل أخرى مؤثرة في تقدير قيمته وفاعليته، كطبيعة الحيز الجغرافي الذي تشغله الأقلية السكانية، فيما إذا كان متصلا أم منتشرا، وموقعه في جغرافية الدولة، ودرجة ارتباط أبناء الأقلية بلغتهم، واعتزازهم بثقافتهم، ووعيهم وفاعليتهم في المجالات كافة، السياسية والثقافية والعلمية والاقتصادية.
والكرد في سورية لا يملكون حيزا جغرافيا متصلا يتصف بالنقاء العرقي، فهم ينتشرون بشكل رئيسي بثلاث مناطق في شمال سورية، هي: محافظة الحسكة، ومنطقتي عين العرب وعفرين في محافظة حلب، ولا يشكلون أغلبية سكانية فيها إلا على مستوى المنطقة أو الناحية التي يسكنون فيها، كما لا يجتمعون على رؤية سياسية واحدة، فضلا عن أنهم يعيشون حياة اجتماعية قبلية، ويعاني مجتمعهم من ارتفاع نسبة الأمية ومن الانغلاق الثقافي.
للاطلاع على الدراسة كاملة يرجى تحميلها بنسخة PDF↓