أمنُ الثورة … الإشاعة.. ذلك السّلاح الفتّاك!
02/01/2023
الوجود العربي في تركيا على طريق التنظيم والتطوير
10/01/2023
مشاهدة الكل

تطور المناهج السياسية … الديموقراطية والخلافة

تطور المناهج السياسية … الديموقراطية والخلافة

د. خضر السوطري عضو مركز سيرز … نائب رئيس اتحاد الجاليات العربية

08.01.2023

وكان من قول أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي (ت 513هـ/1119م) الذي ذهب في تعريفه للسياسة إلى القول: “السياسة ما كان من الأفعال، بحيث يكون الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نزل به وحي” انظر إعلام الموقعين (4/283) وكأن ابن عقيل بهذه الرؤية يعبر عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أنتم أعلم بأمور دنياكم “.

فالخليفة والسلطان والأمير أسماء من العصور القديمة والوسطى وبعضها كان مُلكاً عَضوداً والبعض كان جائراً والآخر كان عادلاً، ومنهم من أتى بالوراثة ومنهم بالتعيين ومنهم من تم تعيينه بالإعلام، فالوقوف عند تسمية وشكل من الأشكال في عصر من العصور خطأ فادح والسياسة وآلياتها تتطور بتطور الأزمان والأمكنة والأشخاص والأحوال.

فلنبحث عمّن يحقق مصالح العباد والعدل للناس ولعل البعض يصر على توقف الإبداع والفتوى الشرعية على القرون الثلاثة الأولى وحتى التفاسير ومناهج الاقتباس والفقه عند القرون الأولى ونسي الجميع أن هناك ثوابت ومتغيرات في الشرع وكذلك ثَوَابت ومتغيرات في السياسية

وكلنا يعرف كيف طور الإمام الشافعي منهجه في مصر بعد أن انتقل من بغداد وذلك بحكم القاعدة الفقهية في أصول الفقه والتي تقول (الفتوى تقدر مكاناً وزماناً وشخصاً).

وكما تطور الفقه الاسلامي في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فزاد عقوبة شارب الخمر بالتعزير وذلك برفع العقوبة لشارب الخمر من أربعين جلدة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت حالة العقوبة وقتها (كان الناس يقومون على شارب الخمر فيضربونه بأثوابهم ونعالهم وما معهم من عصي) وتنتهي العقوبة. تقالّ الناس العقوبة وصاروا يشربون الخمور وخاصة أيام التوسع والغنى، فجمع عمر الأمة واتفقوا أن يرفعوا العقوبة إلى ثمانين جلدة وكانت هذه فكرة الإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه حيث قال إن شارب الخمر يرمي المحصنات المؤمنات عندما يدخل في خمرته واتفق وقتها على رفع العقوبة إلى ثمانين جلدة.

وهكذا تطور الفقه السياسي، حيث ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأمر مفتوحاً للاجتهاد من بعده وتعددت أشكال الحكم في العصور الأولى وفِي قمة الحكم الاسلامي وقمة الفتوحات كان هناك الحكم العضود (الذي كان أقرب للحكم الوراثي والقريب من الديكتاتوريات في عصرنا الحالي).

الديموقراطية والشورى: لقد تطورت آليات الحكم حتى وصلت إلى عصرنا الحديث وكان ما يسمى الديموقراطية والتي دفعت ثمن الوصول إليها أوربا صراعاً استهلك الملايين من البشر وكلكم يعرف الصراع مع الكنيسة وتكلسها في تبنيها أفكاراً مغلوطة حتى كفر الناس بالكنيسة وبالأديان وما تزال العقدة إلى الآن.

وإنه لحري بِنَا أن نستفيد حقيقة من التجربة الديمقراطية في الحكم والتعددية وقبول نتائج صناديق الاقتراع وكما أننا قبلنا أن نركب السيارة الأوربية والأمريكية واليابانية واستخدمنا الكمبيوترات والأجهزة الخليوية والطيارات، فمن البديهي أن نمارس الديمقراطية كوسيلة حضارية توصل إليها العالم الحديث وارتقى وتطور ونجح في تحويل بلاده إلى جنات.

أذكر يوماً أنني سألت صديقاً كندياً عن الإسلام في كندا؟ فقال لي بكل ثقة هناك الإسلام الحقيقي في كندا وهو يقصد أنهم يعملون في جوهر الإسلام في خدمة البلاد والعباد وإعمار الأرض وتوفير الأمن والأمان.

وأهمس في أذن من يصر على كلمة الشورى ويفاضلها والديموقراطية فأقول يا أخي إنهم شيء واحد ولا مندوحة في الاصطلاح.

التجربة التركية الديموقراطية: تجربةٌ حريةٌ أن تُدرس بجدارة ويكتب فيها الكتب، ونقوم بدورات سياسية نتعلم من خلالها كيف نجحوا في ممارسة الديموقراطية رغم أنهم نسيج متنوع ثقافياً وفكريا وعرقياً والتداخل والتنوع وصل إلى حتى اللغة التركية الجميلة فأنت تسمع نغمات الانكليزية وألحان التركية والمقامات والكلمات العربية.

وكما توليب تركيا في أيام نيسان سجادات بهية جميلة مرصعة راقية وكذلك النسيج التركي والتعددية التركية.

ويعتقد الكثير من العربان وهم ينتظرون خلافة عثمانية جديدة، واهمين أنها هذه هي الرؤية التركية!

أعتقد أن الرؤية التركية رؤية متطورة جداً وإلى الأمام وهي نموذج ديمقراطي حقيقي مقبول من جميع الدول الكبرى والعظمى وتركيا دولة مهمة في المنظومة الدولية ويزداد تأثيرها، وكما الأتراك حريصون على بقائهم في المنظومة الدولية وكذلك الدول العظمى حريصون أكثر على بقاءها في المنظومة بل يطمحون أن يكونوا هم النموذج الديمقراطي لكل الدول الإسلامية.

قارنوا بين النظام التركي وحضارته وتطوره وتأثيره وبين الحكم الثيوقراطي الديني الإيراني والذي أغرق مواطنيه بالفقر والجهل واستخدم الدين (وحقيقته الفارسية الصفوية) والتوسع الأفقي غير المدروس، والذي لم يدخل بلداً إلا أفقره، وكان هدفه تجييش الناس في صراعات وحروب وتخريب بلدان متعددة حاملاً لواء الاسلام زوراً وبهتاناً.

رحم الله الشيخ منير الغضبان العالم السوري الكبير وقد زرنا بمعيته يوماً أنقرة عام ٢٠١٢ أوائل الثورة السورية وجلسنا مستمعين في مركز الدراسات التركية سيتا في أنقرة إلى محاضرين جامعيين يتكلمون عن التجربة التركية انطلاقاً من الديموقراطية إلى علم الإلاهيات التركي (العقيدة) وفعلا بعدها كان كتابه والذي كان ثمرة فكره وخلاصة كتبه وآخرها والذي طبع بعد وفاته وهو يتحدث عن (مفاهيم إسلامية معاصرة) كتاب من مجلدين كبيرين مؤصلين. وفيه يتكلم باستفاضة عن الديموقراطية كوسيلة حضارية يرضى عنها الإسلام، وهو كتاب في غاية الأهمية.

وإنني أنهي مقالتي بمشروع   أعتقد أنه في غاية الأهمية وهو: تخريج قيادات عربية على النموذج التركي وإعداد مشاريع قيادات مستقبلية تصدرها تركيا كما تصدر منتجاتها وحضارتها وتطورها وتناميها المستمر وأريد أن أختم أيضاً بحديث سمعته من المفكر التركي ياسين أقطاي منذ أعوام: أننا في حزب العدالة والتنمية كان سبب نجاحنا هو رفع شعار الخدمية وليس الحاكمية: أي خدمة الناس.

وأدعو إلى الاستفادة من (الأحكام السلطانية) القديمة وهو كتاب من تأليف أبي الحسن الماوردي، يختص الكتاب في مواضيع سياسية، من الكتب العربية في القرن الحادي عشر. أي قبل عشرة قرون، ولكن مع عدم الوقوف عندها وإعداد مذهب سياسي مصري جديد على نظرية الإمام الشافعي في تجديد الفقه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *