د. سامر عبد الهادي علي
لم يعد خافياً على المتابع للقضية السورية التطورات والمتغيرات التي برزت في الأشهر القليلة الماضية، تمثلت بالخلافات الكبيرة بين كل من روسيا وإيران على الأرض داخل سورية، فقد شهدت عدّة مناطق سوريّة، من تلك التي تقع ضمن سيطرة النظام السوري وميليشياته، اشتباكات عنيفة وصلت حدّ استخدام الأسلحة الثقيلة، واحتلال مناطق تخضع لسيطرة ميليشيات مدعومة من هذا الطرف أو ذاك.
فقد عملت روسيا للسيطرة على ما تبقى من قوات النظام السوري، ووضع يدها على أجهزة الأمن، في سبيل الإمساك بالملف السوري من جوانبه كافة، لذلك عملت على إحداث تغييرات كبيرة داخل قيادات الجيش ومؤسساته المتعددة، من خلال استبعاد الموالين لإيران داخل الجيش، وتعزيز نفوذ القادات الموالين لها، ويُعدّ “العميد سهيل الحسن” قائد ميليشياتالنمر، أحد أبرز هذه القيادات، حيث تدعمه روسيا بكل قوة، واعتمدت عليه في الكثير من المعارك ضدّ الثوار السوريين. أما إيران فقد اعتمدت على خلق ميليشيات ومرتزقة من جنسيات مختلفة، كعادتها في كل تدخلاتها في المنطقة، حيث تعمل على إيجاد كيانٍ عسكريٍّ موازٍ للقوات النظامية.
لذلك لو عُدنا إلى بدايات التدخل الخارجي في سورية، وتحديداً كل من إيران وروسيا، نجد أنّ الهدف المعلن لكلٍّ منهما هو حماية النظام السوري من السقوط، إلا أنّ ذلك لم يكن يعني أبداً تفاهمات مطلقة حول الوضع السوري بينهما، بل إنّ لكلٍّ منهما أهدافاً متباينةً تستّرت خلف الهدف المعلن، وهو حماية نظام الأسد من السقوط.
ففي الجانب الإيراني، كانت إيران تسعى للتمدد والسيطرة على المنطقة، مستهدفةً نشر عقيدتها الشيعيّة، تحقيقاً لما يُسمى مشروع “تصدير الثورة الخمينية” إلى دول المنطقة، لذلك عمدت إلى تشكيل ميليشيات شيعية بأعدادٍ كبيرةٍ، قامت بمجازر بشعةٍ على كامل الجغرافية السورية من خلال القتل على الهوية الدينية، وفي سياقٍ موازٍ بدأت بنشر التشيّع في كل المناطق التي تواجدت فيها، سواء في دمشق وحلب وحمص والساحل السوري، ومؤخراً في المنطقة الشرقية، خاصّة في دير الزور.
أما في الجانب الروسي، فإنّ حماية المصالح الروسية التاريخية في المنطقة المطلة على المتوسط، وهو ما يُعرف بـ “منطقة المياه الدافئة”، خاصةّ في سورية، البلد الذي بات ضمن المنظومة الاشتراكية منذ خمسينيات القرن الماضي، هو ما دفعها إلى التدخل في سورية، وإن كان بضوء أخضر أمريكي، خاصّةً بعد انهيار أنظمة عربية كانت تعدّ مواليةً لها، كالنظامين العراقي والليبي.
إذاً كان تدخل إيران في سورية لهدف عقدي، مقابل تدخل روسي لأهداف سياسية وجيواستراتيجية، وهذا ما تطور مؤخراً لصراع حقيقي وجدناه في مناطق متعددة في دمشق وريفها، وفي منطقة الغاب بريف حماة، حيث يجري صراع مستمر بين ميليشيات الحسن الموالي لروسيا حامية بشار الأسد، وميليشيات الفرقة الرابعة ومرتزقة إيران الداعمة لماهر الأسد. ومن المرجح استمرار هذا الصراع وتطوره عسكرياً، من خلال ازدياد عمليات الاعتقال في صفوف قيادات موالية لإيران، كاعتقال قائد ميليشيا أبو الفضل العباس مؤخراً في دمشق، أو من خلال تزايد عمليات القصف الإسرائيلي على مواقع إيرانية في سورية، بتفاهمات روسية – إسرائيلية، من خلال غض الطَّرْف الروسي عن هذا القصف، واتهامات إيرانية لروسيا في ذلك.
هذه التطورات والخلافات بين الجانبين دفعت مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية، إلى توقّع نشوب خلافات بين رئيس النظام السوري بشار الأسد، وشقيقه قائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد، تزعزع أمن العاصمة دمشق.
وقد اعتمدت في تقريرها هذا على التغيرات التي طرأت على القيادات العسكرية في جيش الأسد، والتي شملت “الفيلق الثاني” و”الحرس الجمهوري”، وذلك بإيعاز من روسيا لإنهاء وجود الميليشيات غير النظامية.
وقال التقرير: إن “ماهر الأسد يعتبر أحد قنوات إيران في القيادة العسكرية”. وأكدت المجلة أنه في ظل التغيرات بـ”جيش الأسد”، وإزاحة روسيا للموالين لإيران، فإنّه يُحتمل “نشوب خلاف بين ماهر وشقيقه بشار يؤثر على أمن العاصمة”.
لذلك فإنّ تصاعد الصراع الروسي- الإيراني على النفوذ والسيطرة داخل سورية، لأهداف مختلفة جذرياً، سيؤدي حتماً إلى تفكك منظومة النظام العسكرية والأمنية، وبالتالي انعكاسات ذلك على خارطة السيطرة الجغرافية على الأرض من خلال تفكك تلك السيطرة أيضاً، وقد يدفع ذلك روسيا لتنازلات سياسية في الملف السوري على الطاولة الدولية، من خلال قبول حكومة النظام السوري بتقديم تنازلات سياسية مهمة في سبيل الحل الذي ينشده المجتمع الدولي، وقد نرى بدايات هذا التنازل من خلال ملف اللجنة الدستورية التي ستتولى وضع مسودة الدستور السوري الجديد.