الهجوم السوري على درعا يوفر فرصاً لإنهاء حكم الأسد
محمد بكر غبيس 2021/08/27
لقد وُلِدت الانتفاضة السورية في درعا، وسيكون من العدل بعد كلّ تلك الخسائر إذا رحل نظام الأسد إلى الأبد من خلالها.
اندلعت الانتفاضة السورية في محافظة درعا الجنوبية عندما كتب الأطفال على الجدران في الشوارع و الأماكن العامّة عبارة “اجاك الدور يادكتور.” منذ ذلك الحين، أثبتت درعا أنها إحدى أيقونات الانتفاضة السورية والمطالبة بالحرية والديمقراطية والحكم الذاتي وسيادة القانون في سوريا.
وقد استجابت حكومة الأسد لتلك الدعوات بالرصاص الحي والحصار والقتل والتدمير. تلعب مدينة ومحافظة درعا دوراً جيوسياسياً حاسماً في البلاد. ويحدّها اثنان من الشركاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة، الأردن وإسرائيل. يجب أن تمرّ المسارات التجارية الرئيسية عبر سوريا من درعا، من دول الخليج العربي وصولاً إلى لبنان وتركيا وأوروبا. يمثّل معبر نصيب/ جابر الحدودي أكثر الموانئ السورية ازدحامًا من نوعها.
أنا الدكتور غبيس أكتب كطبيب أمريكي من أصل سوري. لقد تلقّيت تعليمي في سوريا والولايات المتحدة، وفي العقد الماضي عدت إلى سوريا عدة مرات لدعم أولئك السوريين الذين هم في أمس الحاجة إلى العلاج. لقد شاهدت بنفسي الظروف المدمّرة وغير الإنسانية التي مرّ بها النازحون السوريون. شاهدت كيف تأثرت أحياء بأكملها باستراتيجية الحصار من قبل حكومة الأسد وداعميها، والتي استهدفت أكثر مكوّنات المجتمع ضعفاً في سوريا، وكبار السن والأطفال.
لسوء الحظ، استخدمت الحكومة السورية نفس استراتيجية الحصار على درعا البلد خلال الأسابيع العديدة الماضية. نتيجة لذلك، أصبحت الظروف الإنسانية والطبّية لـ 55000 رجل وامرأة وطفل لا تطاق. يستخدم النظام إجراءات عقابية جماعية وانتقاماً من مجموعات كبيرة من السكّان المدنيين في درعا، وكلاهما معترف بهما كجرائم ضد الإنسانية. علاوة على ذلك، في درعا، تمّت سرقة جميع الإمدادات الطبية المقدّمة إلى المستشفيات والعيادات المحلّية من قبل المنظمات غير الحكومية الغربية من قبل ميليشيات الأسد المدعومة من الحكومة لتحقيق مكاسب مالية في السوق السوداء. ما يزيد الوضع سوءًا هو نقص الأطباء في درعا لأنهم هم أيضًا مستهدفون من قبل الحكومة السورية منذ بدء الانتفاضة السلميّة قبل عقد من الزمن. هرب العديد من الأطباء، لكن آخرين لم ينجحوا. تمّ اغتيالهم وعائلاتهم قبل أن يتمكنوا من الخروج من الحصار.
منذ بدء الانتفاضة، بذل بشار الأسد قصارى جهده لوصف المعارضين له، بمن فيهم الأطباء، بالإرهابيين. وتشمل روايات النظام الكاذبة القول إن سكان درعا يسعون إلى بناء حكومة إسلامية راديكالية في الجزء الجنوبي من سوريا. في الواقع، مع مرور الوقت، أثبتت المحافظة أنها واحدة من أكثر المحافظات مقاومة للأيديولوجيات المتطرّفة، على الرغم من الصعوبات الرهيبة. وعجز تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عن السيطرة على أراضٍ في المنطقة رغم مساعي الحكومة لاختراقها بخلايا داعش مثل ميليشيا “شهداء اليرموك”. وقد انتهزت كتائب الجيش السوري الحرّ في درعا الفرصة لمحاربة الجماعات المتطرّفة، بما في ذلك شهداء اليرموك، ولعدة سنوات، حتى 2018، حافظت على موقف متشدّد ضد هذه الجماعات.
في عام 2018 ، تمّ تسليم محافظة درعا إلى الأسد تحت ستار “إعادة البناء” في ذلك الوقت، ادّعى الأسد أن نظامه سيأخذ عناصر متطرّفة وينقلهم إلى مناطق أخرى في البادية السورية ومناطق قريبة من دير الزور تحت أعين النظام وداعميه.
بعد اتفاق عام 2018، بوساطة روسيا وإدارة ترامب بشكل أساسي، أعيدت السيطرة على المنطقة الجنوبية من سوريا إلى الأسد. من بين الأمور التي تمّ الاتفاق عليها في 2018، من المهم تسليط الضوء على وجود الميليشيات الإيرانية وضرورة إبقائها على مسافة لا تقل عن خمسين ميلاً من الحدود السورية المتاخمة للأردن وإسرائيل. هذا الشرط، على كلّ حال، لم يتحقق. من ناحية أخرى، تمّ الوفاء بعدد من البنود الرئيسية الأخرى في الاتفاقية، بما في ذلك عدم السماح لقوات النظام بدخول درعا. وكان مقاتلو الجيش السوري الحرّ المحلّي قد سلّموا أسلحة ثقيلة واحتفظوا بأسلحة خفيفة فقط، وتمّ دمج بعض مقاتلي الجيش السوري الحرّ في لواء جديد تحت القيادة الروسية.
في غضون ذلك، كانت الميليشيات الإيرانية تتسلّل إلى المجتمعات والأحياء السورية بطرق مختلفة في جميع أنحاء البلاد. وتعمل بعض الميليشيات تحت قيادة حزب الله اللبناني وميليشيات أخرى بأسماء مختلفة، مثل فاطميون وزينبيّون. هذه الميليشيات الأجنبية تتحرّك بين السوريين مرتدية نفس الزي العسكري لأفراد جيش الأسد. بعضها منظّم تحت الفرقة الرابعة في الجيش السوري بقيادة ماهر شقيق الأسد. هذه الفرقة في الجيش السوري تخضع لسيطرة كاملة من المصالح الإيرانية. حصار درعا وجهود تهجير 55 ألف مدني سوري من منازلهم هناك من أجل إحكام السيطرة على منطقة جنوب سوريا نفّذته بشكل خاص قوات نظام الأسد والميليشيات الإيرانية.
من الواضح أن إيران تسعى للسيطرة على مناطق في جنوب سوريا، مثل درعا، من أجل توسيع نفوذها في مساحة أوسع في سوريا. فعلت إيران الشيء نفسه في جنوب لبنان مع حزب الله. في النهاية، توسّع النفوذ الإيراني في لبنان ليشمل مناطق أبعد من جنوب لبنان بما في ذلك العاصمة بيروت. في الواقع، تودّ إيران استخدام جنوب سوريا كما فعلت جنوب لبنان باسم أهداف الثورة الإسلامية عام 1979.
المبادرة الإيرانية في سوريا مرفوضة لأهل درعا. العكس هو الصحيح. بينما قد يكون لسكان جنوب لبنان معتقدات طائفية مشتركة مع إيران، فإن الأمر نفسه ليس كذلك في جنوب سوريا، والجنوب السوري هو عبارة عن رقعة يعيش فيها المسلمون والمسيحيون والدروز، كما أن حضور الطائفة الشيعية ضعيف في المنطقة.
قبل عام 2018 ، دعمت الولايات المتحدة المجتمع السوري في جنوب سوريا ودعمت مقاتلي الجيش السوري الحرّ أيضاً. كان لذلك الدعم تأثير إيجابي على المجتمعات السورية المحليّة، في أماكن مثل درعا، مما ساعد في الحفاظ على الاستقرار ومكافحة الجهود المبذولة للتطرّف أيضًا. ومع ذلك، في عام 2018، فقدت أمريكا المشاركة والنفوذ في ذلك الجزء من سوريا لصالح روسيا وإيران.
ويمثّل التصعيد الأخير في درعا فرصة لإدارة بايدن لإعادة إشراك المجتمعات في هذه المنطقة الحرجة من سوريا والتأثير عليهم بطرق إيجابية. سيؤدي هذا الانخراط الأمريكي بدوره إلى الضغط على الأسد وداعميه لإعادة الانخراط دبلوماسياً نحو تسوية تفاوضية بشأن مستقبل سوريا.
توضح الأحداث الأخيرة في درعا أنّ المجتمعات في جنوب سوريا غير مهتمّة بأخذ أوامر من النظام على الرغم من الخسائر البشرية الفادحة التي تكبّدتها بسببه. سيكون الوقت مناسباً حقاً إذا فهمت الولايات المتحدة وحلفاؤها تماماً هذه النقطة وقادوا مبادرة دبلوماسية لإنهاء الأزمة الإنسانية في سوريا التي استمرّت لعقد من الزمن من خلال دعوة النظام إلى طاولة المفاوضات والإصرار على تعويض ملايين السوريين الذين عانوا من الأزمة الإنسانية بسبب سياسات هذا النظام.
لن يتنازل الأسد إذا لم يتمّ إجباره على فهم أن القيام بخلاف ذلك هو أكثر خطورة بالنسبة له تمثّل درعا وجنوب سوريا مدخلاً للانتقال السياسي الذي تشتدّ الحاجة إليه في سوريا من أجل جميع السوريين والمجتمع الدولي. لقد ولدت الانتفاضة السورية في درعا، وسيكون من العدل بعد كل تلك الخسارة إذا رحل نظام الأسد إلى الأبد عبر تلك المدينة.
محمد بكر غبيس – خبير في معهد الشرق الأوسط
المصدر: ذا ناشيونال انتريست – ترجمة نداء بوست