اليوم العالمي لحقوق الانسان … سورية والكرامة
10/12/2022
أمنُ الثورة … التنظيم والأمن في السيرة النبوية (1)
23/12/2022
مشاهدة الكل

المرأة السورية ما بين التهميش إلى مفاهيم الجندرة العالمية والحفاظ على الثوابت

المرأة السورية ما بين التهميش

 إلى مفاهيم الجندرة العالمية والحفاظ على الثوابت

د. خضر السوطري

15.12.2022

يثار هذه الأيام لغطٌ وتبادل اتهامات ما بين أناس ومنظمات وجهات دولية ومحلية وكذلك مواطنين ومواطنات في دول العالم الإسلامي حول مفهوم الجندرة وتمكين المرأة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وترانا أحياناً أمام فريقين يشنع أحدهما على الآخر وتطرح من خلال نظرية المؤامرة.

وأريد هنا أن أطرح بعض الأسئلة لاستجلاء الأمر وفي مقدمتها:

سؤال نسأله لأنفسنا … هل مجتمعاتنا تمكن المرأة حقيقةً؟

وهل هناك في معاملتنا في بلادنا عملياً وخلقياً ما فيه ظلم للمرأة في العادات والتقاليد والممارسات؟

هل صفة ذكورية المجتمع عندنا هي حقيقة أم مبالغة؟

هل تختلط في مجتمعاتنا العادات والتقاليد مع نظرة الإسلام للمرأة.

هل الأنظمة الدولية فيما يتعلق بالمرأة كلها شر محض؟

هل المسلمون عندما صدّروا حضارتهم للغرب حاربوا كل ما فيها من مفاهيم وعلوم.

أتمنى أولاً أن تكون العلاقة بين الرجل والمرأة ليست علاقة صراع وانتزاع الصلاحيات بل هي علاقة تعاون وحب وتكامل لتنظيف سجلنا القديم المغرق بعادات وتقاليد وشوائب وخلط ما بين ما هو ديني وما هو جاهلي، وما هو موروث وما هو مفهوم كردة فعل انتقامية. وكذلك صراعات يثيرها مدعي الجندرة الحديثة.

وكما ترون وتعيشون وتسمعون حتى الميراث يتحايل بعض الأخوة على حرمان أخواتهم، وحتى عند الطبيب تحرم بعض النساء من التعبير، ومن أجل مقولة أن (صوت المرأة عورة) خبت أصوات نسائنا من المشاركات والمساهمات والتنمية.

القرن الماضي كان عصر عدوان ما بين الكثير من المفاهيم (علمانية دينية قومية وطنية إثنية) وأقول: لماذا لا تتحول هذه الى علاقات تكاملية تنموية في بناء الحياة ولعل المشتركات ما بين كل الناس تشكل ٨٠٪؜ فلماذا لا نلعب ونبني في تلك المشتركات ويعذر بَعضُنَا بعضاً في الاختلافات التي تتعلق في اختيار الدين والقيم التي يريدها كل إنسان.

يقول تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ ( 7) …)

الذكر والأنثى كالليل والنهار (حركة وسكن)، وللذكر سعي وللأنثى سعي يكافئ جنسها ولطفها.

والعطاء والصدقة وبناء المجتمع متساويا للذكر والأنثى وكل من يقدم منهما فسنيسره لليسرى.

ومن هنا أطرح شعار: تكامل المرأة والرجل في بناء الحياة

وأذكر حديث النبي عليه أفضل الصلاة والسلام: خيركم! خيركم لأهله (أي عائلته) والدرهم ينفقه الرجل على أهله (بناء الأسرة) خير من الدرهم ينفقه في سبيل الله، ولما سئلت عائشة عن الرسول في بيته فقالت يكون في مهنة أهله (يعجن إذ يعجنون ويطبخ إذ يطبخون وينظف إذ ينظفون …)

ورغم أن المرأة وهي الأم والأخت والابنة وكما أنها نصف المجتمع ورغم أنها تقدم للنصف الآخر المودة والحب، ومع ذلك فتراها في العالم مهيضة الجناح تتعرض للانتهاكات والاضطهاد والأذى والظلم وحتى في المجتمعات الغربية وفِي كل مكان. وأما عندنا ورغم قيمنا المتوازنة فهي مهيضة أكثر

دعوة إلى تمكين المرأة

والتعاون مع كل ما هو ايجابي وقراءة كل ما وصلت أليه الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والنسوية ليست بعين إحداث صراع ومحاربة بل بعين الاستفادة والتطوير مع المحافظة على الثوابت.

تمكين المرأة السورية.  

ملفٌ مهم في الثورة السورية وهو من الملفات الناعمة جداً والهادئة والتي يمكن أن يعمل عليها الانسان بإمكانيات محدودة وقليلة ويحقق نتائج طيبة في المساعدة على بناء صرح الأمة السورية من خلال المرأة التي هي نصف المجتمع وتؤثر في النصف الآخر تربيةً وثقافةً وبناءً وعزيمةً. ولقد أثبتت الثورة السورية التي كان انطلاقها البحث عن الحرية .. أنّ هذه الحرية المحدودة التي أعطيت لها أطلقت عقالها وفجرت قواتها وأظهرت تميزها فكم من النماذج الفريدة التي سطّرتها منذ ثمانية سنوات وكم وجدنا من الخنساوات، وكم من الثابتات الصابرات يتابعن المسيرة بعد فقد الزوج والوطن وقلة المال والحال …

قبل الثورة كانت في المهجر رابطة المرأة السورية التي نشأت في الأردن والتي كانت يوماً كوزارة للتموين ومحضن للتربية وتوسعت لتكون رابطتين في المهجر وتعددت الروابط لتصل عشرات الروابط والمنظمات على ساحات المهجر المتسعة وأذكر أنني مررت على المدن التركية في مشروع تدريبي ممنهج فكانت الحاضرات في الريحانية ومرسين أكثر حضوراً ومشاركةً وتأثيراً وربما تجد في مدينة الريحانية عشرات من السيدات القياديات تفوق نسبة الرجال من القادة وكذلك في مدن أخرى صغيرة وكبيرة هنا وهناك … وقد سعت الأمم المتحدة انطلاقاً من عام ٢٠١٧ في تشكيل شبكة المرأة والطفولة في مدينة عينتاب وتحاول تطبيق برنامج بسيط ضمن المنطقة لم يشمل كل الساحات ولا كل السيدات.. وعمل آخرون على بناء شبكة نسائية أكبر تشمل ربوع الداخل والخارج السوري (شبكة حماية المرأة) ولكن أيضاً لا يتسع لكل الناشطات والمميزات من السوريات، ولا يغطي ملف تطوير العمل النسائي …

الاحتياجات كثيرة ولكنّ أهمها:

– ثقة المرأة عموماً بنفسها وإمكاناتها وقدرتها على التأثير.

– وملف. التعليم والثقافة للمرأة وتأهيلها.

– وملف تشغيل السيدات ومساهمتها بكل الملفات من القيادة إلى التنمية.

وهناك ملف المعتقلات والمعنفات وملف المودة الاجتماعية لحل مشكلاتها … ولكن الملف الأهم باعتقادي والذي هو رأس الملفات وهو: الاعتناء باختيار وتدريب قيادات نسائية استراتيجياً بحيث تقوم هذه النخبة من إلقاء الأضواء على بقية الملفات وإيجاد حلول ممنهجة وعملية.

ومن الغريب حقاً أنك ترى أن المتكلمين بتمكين المرأة أغلبهم من الذكور ولعلك تحضر ندوًة أو ورشة تتعلق بالمرأة فتجد الرجال أكثر أو يوازي النساء.

ومن هنا أريد أن أشير إلى معنىً يتوارد كثيراً عن ما يسمى بالجندرة والـ”جندر” (Gender) كلمة إنجليزية تنحدر من أصل لاتيني … ظهر مصطلح “الجندر” في السبعينيات مِن القرن العشرين و جندر (Gender) كلمة انكليزية تنحدر من أصل لاتيني” Genus ” تعبر عن الاختلاف والتمييز الاجتماعي للجنس، وتصف الأدوار التي يقوم بها كلا الجنسين.

وكذلك واضح أننا فهمنا المصطلح ومفهومه خطأً فالصحيح هو إعطاء الفرصة الاجتماعية للجنسين الذكر والأنثى وليس بمعنى المساواة فقط بقدر ما هو بمعنى اعطاء الدور والوظيفي والاجتماعي الطبيعي للجنسين. ولعلنا اقتربنا أن نكون في مرحلة أقرب للهدوء وبالتالي بإمكاننا الابتداء في البناء والتركيز على أهم لبنة في هذا البناء وهي الأسرة وتماسكها وتبادل الأدوار وتكاملها ما بين الرجل والمرأة. ولعل هذه اللبنة هي التي حرص الاسلام على قوتها وتماسكها وصلابتها ووضع عشرات الأحكام لبنائها وحمايتها … ولعلنا نجد الكثير من الغربيين أيضاً يحمّلون الاسلام وبعض أحكامه التي تكبل المرأة … كما يقولون بحيث يختارون انتقائياً بعض المفاهيم المغلوطة ولكن اهتمام المرأة بالإسلام بشموليته أنضج وأرقى من أن يحيطه قانون أو دستور ولكن عادات وتقاليد وذكورية متراكمة عبر العصور هي المؤثر الأكبر سلبياًفي تحجيم دور المرأة.

ومن الجدير ذكره التنبيه إلى شخصيات بعض الرجال التي يغلب عليها الطغيان الثقافي والفكري والذي يلغي شخصية المرأة والأولاد ويحجم دورها وهذا يحصل حتى مع المؤمنين بتمكين المرأة.

ولا بد أن أشير إلى معنى مهم في إطار تمكين المرأة بجملة واحدة وهو (لا بد من تمكين المرأة من وسائل التمكين) وبالتالي نفتح الآفاق.

كندا دولة تهتم كثيراً في حقوق المرأة فهي وصلت إلى أنّ نصف الوزراء هم من السيدات وثلث البرلمان من النساء ولكن دول أوروبية عريقة نسبة تمكين المرأة لا تعدو ١٥٪؜ ولعل دولة عظمى كأمريكا آثرت أن تختار رئيساً أسود أمام مرشحة نسائية فيما فشلت هيلاري كلينتون من الفوز على ترامب الشخصية المثيرة للجدل وبالتالي حتى المجتمع الغربي يعاني من التمكين والتغلب على عادات وتقاليد وأفكار تقلل من قيمة المرأة.

إنّ وضع المرأة السورية في الثورة ورغم الامتحان والابتلاء والسجون والتشريد والتهجير ما تحققه من   بروز من خلال منظمات المجتمع المدني والمشاركات في التمثيل السياسي لهو أفضل بكثير من حال المرأة في ظل النظام الاستبدادي السوري والذي كان يهمش كل النساء ليمكن نساء طائفة عداك عن الخلل في الدستور السوري.

اعتقد أن النظام العالمي منتبه بموضوع التمكين للمرأة السورية بطريقته وابتداءً من اللجنة الدستورية السورية التي أشرك فيها سيدات ولكن أعتقد أن ما يحصل من تمكين وغالبه مفروض كشرط من الداعم أو المنظمات الدولية لا يعدو في مجتمعنا تزيين وتلوين المجتمع الذكوري أو توظيف من الدرجة الثانية كسكرتيرة وربما أحياناً من الدرجة الثالثة.

وللمثقفين العاملين في المجال المدني معلومة مهمة وهي أنهم مهما استكملوا من مواصفات الحوكمة والمأسسة والشفافية المالية وكل المواصفات وأهملوا التمثيل النسائي فسوف يفقدون التمويل والاعتراف والقوة.

وأخيراً هل نترك للدول دور تمكين المرأة السورية بالطريقة التي يرغبون بها أم نقوم نحن كمنظمات وكيانات مدنية وسياسية سورية بهذا التمكين بطريقتنا وثقافتنا وبما يتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا وديننا وموروثاتنا الغنية بالعظيمات كرابعة والخنساء وعائشة وصفية وزنوبيا وبلقيس وأسماء كثيرة من عصورنا السالفة وواقعنا المعاصر..

المودة الأسرية

الأسرة التي تمتلئ بالمودة الاجتماعية تعطي وطناً قوياً متكاملاً منتجاً ولا تحتاج الى رفع شعارات التمكين وغيرها، والمودة من الود ومن الودود وهو اسم الله ودود وتعني القُرب والحب واللطف.

ما أجمل البيوت التي تبنى بالمودة وبالحب

أما بلقيس فهي كانت ملكة حكمت أيّام النبي سليمان.

وزنوبيا كانت أيضاً رئيسة لتدمر وأقامت حضارة.

وأما رابعة العدوية فكانت نموذجاً أدبياً وشاعرة كبيرة وضربت مثالاً للزهد يضرب به المثل حتى يومنا هذا فالمرأة المؤمنة هي من تبني مودة وتصون زوجاً وتربي ولداً قائداً وتساند أخاً رجلاً.

باسمك اللهم الودود نسألك أسراً يملؤها الود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *