المخيال الاجتماعي للنخبة السورية
غياث أحمد دك
مقالة 15.07.2020
وهو مفهوم تمت استعارته من علم الاجتماع المعاصر وهو سلوك واعي، الذي ينطلق في تعريفه لماكس فيبر للفعل الاجتماعي بكونه نشاط يحمل معنى يشد إليه الفاعلين فينظمون سلوكهم، بعضهم إزاء بعض على أساسه فيقول: الواقع إنه أي الفعل الاجتماعي يفترض من أجل إنجازه أن يندمج كل سلوك فردي في عمل يحمل طابع الاستمرارية وإن تنتظم التصرفات وتتجاوب بعضها مع بعض طبقاً لقواعد ضمنية مستمرة حسب ما ينتظره كل منها من الاخر، فالممارسة الاجتماعية تنظم شتات الافراد وتوجههم نحو أهداف مشتركة، تفترض وجود بنية معقدة من القيم والاندماج المحمل بمعاني ودلالات، كما تفترض لغة رمزية اجتماعية شيفرة مستمرة.
فمخيالنا الاجتماعي العربي هو الصرح الخيالي المحمل برأسمالنا من المأثر و البطولات والملاحم والمعاناة التي نعيشها اليوم، الصرح الذي يسكنه عدد من رموز الماضي مثل أمرؤ القيس وحاتم الطائي و عمر بن الخطاب، خالد بن الوليد، هارون الرشيد، الف ليلية وليلة، صلاح الدين الايوبي، أبو زيد الهلالي، جمال عبد الناصر، بالإضافة إلى رموز الحاضر حيث ظهرت رموز جديدة وخصوصاً بعد ثورات الربيع العربي، وهذا المخيال العربي يتجلى في فكر أي مواطن عربي من خلال استرجاع احداث الماضي وشخصيات الماضي التي تعطي العقل السياسي تصورات عن هذا الموضوع، فالعقل السياسي العربي كممارسة وايديولوجيا يجد مبادئه في المخيال الاجتماعي وليس في النظام المعرفي، بمعنى أن الذي يحرك المجتمعات العربية ليست المعرفة العلمية إنما اللاشعور السياسي أو المخيال الاجتماعي، فهذا المخيال هو مجال القناعات التي تسود فيه حالات الايمان والاعتقاد وهو الذي يعطي للأيديولوجيا السياسية بنيتها اللاشعورية.
المخيال الاجتماعي السوري:
إن مخيالنا الاجتماعي السوري فهو حديث عهد بالتاريخ في حال انفصاله عن المخيال الإسلامي، وأيضا هناك انقطاع في المخيال في مراحل من التاريخ لا يوجد عنها أي تخيل، وعندما نفكر قليلاً في نموذج للحكم يتبادر إلى مخيالنا السوري الملك فيصل الذي يعتبر مؤسس سورية الحديثة قبل الانتداب ومن ثم تظهر صورة القائد يوسف العظمى، وبعدها تتقلب الصور من رموز وشخصيات الكتلة الوطنية بعد الاستقلال من من تاج الدين الحسيني إلى هاشم الاتاسي الى شكري القوتلي وبعدها يظهر مخيال اجتماعي مختلف عن المخيال المدني وهو مخيال الانقلابات فتظهر صورة حسني الزعيم واديب الشيشكلي، ومن ثم يقف المخيال السوري عاجزا منذ 1963 عن تصور مجتمع مدني او تعددية حزبية نتيجة ادلجة مخيالنا الاجتماعي بثقافة الحزب الواحد والقمع وتكميم الافواه، ويظهر مخيال العروبة والمقاومة والممانعة التي تخون كل تخيل مغاير لصورة المجتمع السوري النمطية التي تشكلت عبر اكثر من خمسين عام.
ولا نستغرب حينما نشاهد مؤخراً اشخاص يعرضون انفسهم على الشعب السوري على أنهم مرشحون للرئاسة وقيادة سورية ولكن بنبرة تسلطية قمعية قهرية، وهذا بسبب فقر مخيالهم الاجتماعي والثقافي لنموذج حكم راشد كان قائماً في سورية عبر مراحلها الحديثة، إنما يريدون إعادة اجترار تجربة الانقلابات العسكرية أو حكم البعث وإعادة تطبيقه ولكن بمسمى مغاير.
لذلك يجب علينا توسيع نطاق مخيالنا الاجتماعي والفكري ليستوعب تجارب دول مجاورة او تجارب ناجحة ليتم تبنيها وتخيلها من واقعنا السوري