المانيا وتركيا والعالم
المركز السوري سيرز – هيثم عياش
تناولت المباحثات الهاتفية التي جرت في وقت سابق من الاسبوع المنصرم بين المستشارة انجيلا ميركيل والرئيس التركي رجب الطيب أردوغان العلاقات بين برلين وأنقرة وتطورات الوضع في سوريا وليبيا والاحتكاك الشبه العسكري الذي كاد أن يقع بين أنقرة وأثينا بعرض البحر الابيض المتوسط اضافة الى علاقات تركيا مع حلف شمال الاطلسي الناتو.
تطرقت المباحثات أيضا الى انهاء التحذير وحظر سفر الالمان وغيرهم من الاوروبيين الى تركيا ضمن واحد وثلاثين دولة اوروبية يسمح تنقل الاوروبيين بينها اسبانيا، ابتداء من يوم الاثنين 22 حزيران يونيو مع ابقاء الحذر وذلك بأنه لم يعد هناك خطر العدوى من وباء كورونا.
كانت الحكومة التركية قد اعتقدت دعم برلين لأنقرة بإنهاء حظر سفر الالمان وغيرهم اليها، إلا ان وزير الخارجية الالماني هايكو ماس أعلن قبل أيام قليلة ان السفر الى تركيا مرتبط وبقرار من الاوروبيين ومن يريد قضاء اجازة في تركيا فيتحمل مسئولية ذلك ولا علاقة لوزارته بنتائج مغامرة قضاء اجازة في تركيا فالتحذير من السفر الى نهاية آب /اوغسطس المقبل يشمل تركيا.
تصريحات ماس وصفها وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو بالمخيبة للآمال الا انه أعرب بالوقت نفسه عن أمله نهاية قريبة للتحذير من السفر الى بلاده. اذ ان السياحة مصدرا هاما من مصادر الاقتصاد التركي.
الاحتكاك العسكري الذي كاد أن يقع بين انقرة وأثينا هو بسبب انبوب الغاز الذي تريد انقرة مده تحت المياه الجوفية للبحر المتوسط، اذ ترى اثينا والقاهرة وقبرص بالأنبوب مضراً بمصالحهم الاقتصادية، علما ان الدول المذكورة تستفيد من الانبوب أكثر من تركيا.
وتؤكد المستشارة ميركيل ووزير خارجيتها هايكو ماس بأن العلاقات الالمانية التركية جيدة لا لبس بها بالرغم من وجود تحريض على انقرة من قبل سياسيين مؤيدين للأكراد ومعادين لحزب العدالة والتنمية التركي لا سيما في شخص رئيسه رجب الطيب اردوغان.
ويكمن التحريض بأن أنقرة تريد بسط نفوذها السياسي والاقتصادي بمنطقة الشرق الاوسط في سوريا وشمال افريقيا وخاصة في ليبيا، وعلى حسب اعتقاد بعض من يراقب السياسة التركية، ان ليبيا مفتاح أنقرة الى شمال وشرق افريقيا لتقوية استثمارات أنقرة بتلك المناطق. وترى عضوة لجان شئون السياسة الخارجية بالبرلمان الاتحادي عن كتلة التحالف اليساري سفيم داجدلين “كردية من الطائفة العلوية” في الوجود التركي في سوريا احتلالا، بينما تصف الوجود الايراني والروسي في سوريا شرعيا لأن وجودهما بطلب من رئيس نظام سوريا بشار أسد، هذا التصريح كان وراء استياء كتلة التحالف اليساري أنفسهم من صديقتهم، كما ويحذر عضو كتلة الخضر بالبرلمان الاتحادي جين اوزدمير “اصل تركي” من إسلامية تركيا من جديد والعودة بها الى قوتها الاسلامية .
ومن يواكب التطورات العسكرية في ليبيا بشكل واقعي يستطيع الجزم الى وجود حرب حقيقية ونزاع على النفوذ بين تركيا التي تساند حكومة الوفاق الوطني الشرعية المعترف بها دوليا ولا سيما من برلين وبين موسكو وباريس والقاهرة وأبو ظبي التي تساند المنشق العسكري الليبي خليفة حفتر الذي يريد العودة بليبيا الى عهد الديكتاتورية من جديد.
صراع على النفوذ في افريقيا، فأنقرة تؤكد دعمها لحكومة الوفاق من أجل عودة الاستقرار الى ليبيا وِفق اخوة العقيدة التي تجمع الشعبين التركي والليبي، كما وتعتقد انقرة أن طرابلس الغرب مفتاحها الى شرق افريقيا والعمق الافريقي. أما دعم باريس وموسكو لخليفة حفتر هو من اجل الحفاظ على نفوذهما العسكري والاقتصادي والمعنوي في افريقيا فالوجود التركي في ليبيا يضر بمصالهما الاقتصادية. فقد طالب الرئيس الفرنسي ايمانوئيل ماكرون حلف شمال الاطلسي الناتو مؤخرا إثارة عضوية تركيا بالحلف ووضع حد لطموحات أنقرة بالشرق الاوسط وشمال افريقيا والعالم، بينما رأى الرئيس السابق للجان شئون السياسة الخارخية بالبرلمان الالماني روبريخت بولنتس المستشارة ميركيل السعي لوقف جماح ماكرون المعادي لأنقرة والمعادي لاستتباب الأمن في ليبيا.
أما دعم القاهرة لحفتر لخشية حكومة العسكر من كسب المعارضة والشعب المصري قوة في ليبيا لإنهاء حكم العسكر البغيض في مصر، ودعم ابو ظبي لحفتر هو جراء معاداة ولي عهد ابو ظبي للربيع العربي وبالتالي طموحاته بمد نفوذه السياسي والمعنوي بمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ، فقطع علاقات السعودية والبحرين ومصر ومحاصرتهم قطر جاءت بضغط من محمد بن زايد آل نهيان الذي يحاول أن يصبح مثل طاغوت ليبيا السابق معمر القذافي الذي استطاع مد نفوذه في أفريقيا عبر المساعدات المالية والاستثمارات في افريقيا وذلك بدعمه ماليا لكل مناوئ للحركات الاسلامية في الشرق الاوسط، وتركيا وبسبب دعمها للشعب السوري وشعوب الدول التي جرت فيها انتفاضات شعبية ضد حكوماتهم السابقة، ترى أبو ظبي كسب انقرة شعبية واسعة من اكثر شعوب العالم الاسلامي تهديد لها.
ليس دفاعا عن تركيا. وكمراقب للتطورات السياسية والعسكرية التي تشهدها اوروبا ومنطقة الشرق الاوسط نستطيع الجزم بأن أنقرة تعيش ومنذ انتفاضة الشعب السوري والربيع العربي تعيش في وضع لا تحسد عليه. وقبل سنوات أعلن رئيس الوزراء التركي الراحل نجم الدين إرباكان /1926-2011/ أن ما يصيب الشرق الاوسط وخاصة سوريا تهديد لتركيا وعلى تركيا حماية شعوب المنطقة المذكورة.
يُراد لتركيا إعادتها الى سرير المرض من جديد.
هـ/ع