الحروب تبدأ بالكلام والتحريض
هيثم عياش
لا يختلف إثنان من مراقبي تطورات الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية في العالم، بأن روسيا هي المعتدية على اوكرانيا وهي التي بدأت الحرب وأن فلاديمير بوتين ينتهج مغامرة زجّهِ القوات الروسية في حرب لن تكون نهايتها في صالح الروس ولا في صالح الاوكران .
يؤكد فلاسفة السياسة منذ عهد الإغريق الى أيامنا هذه يأن جميع الحروب بدأت واستعرت جراء التحريض والانتقاد، كما أن الغيبة والنميمة هي التي تؤدي الى مؤامرة دولة على دولة او شخص على شخص .
ولنتطرق قليلا الى ما قبيل بداية الهجوم الروسي على اوكرانيا الذي بدأ يوم ٢٤ شباط/ فبراير ٢٠٢٢، نجد أن انتقادات بعض الاوروبيين وتحريضهم على موسكو في مقدمتهم وزيرة الخارجية الالمانية آنّالينا بِرْبوك ، هي التي شجعت موسكو بشن الحرب . ولا يكاد يمر يوم في برلين وبروكسل وغيرهما من العواصم الاوروبية دون أن تعقد ندوة او مؤتمرا صحافيا عن الحرب في اوكرانيا .
قبل أيام قليلة، طالب الرئيس الاوكراني فولودومير زيلنسكي حلف شمال الاطلسي الناتو بتعجيل قبول بلاده عضوا بالحلف، كما طالب أيضا الاوروبيين بإدخال بلاده عضوية الاتحاد الاوروبي. تصريحات زيلنسكي الأخيرة هذه كانت موضوع ندوة وعنوانها: الطريق الى استراتيجية الامن القومي ، دعت اليها كتلة حزب الخضر بالبرلمان الاتحادي يوم الاربعاء من ١٠ اكتوبر ٢٠٢٢، وشارك فيها خبراء السياسة الدولية من أعضاء بالبرلمان الاتحادي ومعاهد السياسة الدولية والأمنية، حيث أكد فيها رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن والسلام الدولي كريستوف هويسغين أن عدم اكتراث الناتو لطلب أوكرانيا عام ٢٠١٤ الانضمام الى الناتو كان لأسباب عدم توقعات الناتو بحرب روسيا ضد اوكرانيا، فقد كانت الجهود الدبلوماسية قد تكللت بالنجاح من خلال المفاوضات والحوار التي قادتها المستشارة الالمانية السابقة انجيلا ميركيل وفرنسا وبريطانيا والاتحاد الاوروبي مع الرئيس الروسي بوتين. ووقوع الحرب الحالية كانت نتيجة التحريض، وأعرب هويسغين بالندوة عن رأيه، أنه عندما تنتهي الحرب فعلى الناتو ضم اوكرانيا الى الحلف بسرعة وبدون شروط.
وبالرغم من اختلاف الآراء حول هذا الموضوع، إلا أن الجميع أكدوا استمرار التضامن مع اوكرانيا، بالرغم من القلق الزائد بأن التضامن مع اوكرانيا يتلاشى.
والخلاصة فإن مصدر الحرب في اوكرانيا الرئيسي هو التحريض ويرافقه الغباء. فالرئيس الاوكراني يعلمُ جيدا أن دخول بلاده عضوية الناتو يثير روسيا. ففي عام ٢٠١٤ كانت محاولات تقارب الاوروبيين مع اوكرانيا نجم عنها القلاقل وتشجيع انفصاليين بالشرق الاوكراني العمل على تأسيس دويلات مستقلة لهم أو ضمها الى روسيا ، وقد تم ذلك قبيل أيام باستفتاءات ولو كانت نتائجها غير صحيحة . لكننا لمسنا ان الجهود الدبلوماسية والحوار الذي قاده بعض زعماء الاتحاد الاوروبي مثل المستشارة ميركيل استطاعت فك فتيل الحرب في تلك الايام ولو بشكل ظاهري