التفاؤل السياسي بين الواقع والمأمول
محمد حاج علي
تعريف:
نتفق جميعا على أهمية التفاؤل والامل فهما محرك أساسي يدفع الانسان نحو التقدم والاستمرار في الحياة، فهما نعمة مغبون وخاسر من لم يرزق بهما.
عندما نريد التحدث عن التفاؤل نستطيع القول إنه عبارة عن ميل أو نزوع نحو النظر إلى الجانب الأفضل للأحداث أو الأحوال، وتوقع أفضل النتائج. أو هو وجهة نظر في الحياة تبقي صاحبها ينظر إلى العالم بشكل إيجابي، أو تبقي حالته الشخصية إيجابية.
يتنوع التفاؤل وينقسم بحسب المجالات الحياتية المحيطة بالإنسان منها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها، في هذا المقال سنتناول التفاؤل السياسي المتعلق بقيام دولة إسلامية تستمد دستورها من الشريعة الإسلامية، تحمي المسلمين من الظلم والطغيان الواقع بهم منذ أكثر من قرن، وتعيد أمجاد المسلمين وترفع صرح حضارتهم من جديد.
التفاؤل في المنطقة العربية:
إذا أردنا استعراض التفاؤل بصفة سردية، دون إغراق في ملاحظة العقود الأخيرة، في المنطقة العربية، نجد أنه يأخذ منحنى بيانيا متكررا يشبه الى حد كبير حركة التابع الجيبي كما يعبر الرياضيون قمة من التفاؤل والأمل نتيجة حدث ما، يجتاح النخب والجماهير يليه انحسار الى درجة متدنية-كأنه حركة موجية من المد والجزر-دون الاستفادة من العبر والدروس من هذه الاحداث، زمنيا، وبالعودة الى الوراء، تحديدا في أواخر2010 نلاحظ قمة عالية من التفاؤل اجتاحت المنطقة العربية تحت تأثير الثورات العربية حيث فضل الكثير ان يسمّيها بالربيع العربي، الذي بدأ بتونس وانتقل الى باقي الدول مصر ثم ليبيا ثم اليمن وأخيرا سوريا.
هذه القمة من التفاؤل جاءت بعد انحسار امتد لأكثر من أربعة عقود من تراكم للأحداث التي مرت على البلدان الإسلامية جعلت الناس في حالة من اليأس والاستسلام بدءا من احتلال فلسطين وأحداث العراق مرورا بكشمير والشيشان…. الخ.
إن تهاوي بعض الأنظمة الاستبدادية أمام قوة الشعوب العربية جعل المراقبين في حالة دهشة ومفاجأة من قوة التأثير لهذه الشعوب.
هذه الشعور جعل جزءا من الناس يعيش في أحلام نشوء دولة إسلامية، فقد انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مواد متنوعة تعبر عن اقتراب قيام دولة يستعيد فيها المسلمون أمجادهم وتاريخهم، دولة تدافع عن مصالحهم وتعالج قضاياهم الاجتماعية التي عانوا منها قرابة القرن. لكنها لم تلبث الا يسيرا ليحل مكانها انحسار جديد نتيجة اصطدامها بالقوى الدولية والإقليمية، من جهة وبعائق الثورات المضادة من جهة ثانية، ومن ثم يتكرر ارتفاع موجة التفاؤل مجددا بشكل متكرر متأثرة ببعض الأحداث العالمية منها الحرب التجارية بين الصين وأمريكا وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ‘البريكست’ وثورتي الجزائر والسودان.
وأخيرا مع ظهور الوباء العالمي كوفيد-19 له إذ كانت له إضافة من نوع آخر، فسبب الآثار التي نتجت عنه وخاصة الاقتصادية حيث توقفت حركة التجارة العالمية وتسريعه للأزمة المالية المتتالية وكذلك إظهاره عمق الأزمة الأخلاقية في العالم الغربي كل هذ جعل المتفائلين يقولون إن هذا هو الوقت المناسب لعودة الحضارة الإسلامية للعالم بسبب انشغال اللاعبين الدوليين بالوباء وتأثيراته المتنامية معتمدين على فرضية مفادها أنّ الغرب في حالة تراجع في قوته وأن هناك تحول للنظام الدولي من نظام أحادي القطبية (بقيادة الولايات الامريكية المتحدة) إلى نظام متعدد الأقطاب ( الصين -وروسيا جزء منهم)، ومنهم من بالغ أكثر من ذلك بقوله إن تقهقر الغرب وصعود الصين والروس سيضع الغرب أمام حضارتين قادمتين الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية والغرب سيختار الأولى لأنها الأقرب له وتناسبه أكثر لأسباب عديدة منها الاتصال الجغرافي ومنها البعد الديني بحيث يفضلون الإيمان بالله على الإلحاد، فالغرب سينتقل وفقا للمتفائلين من الإسلاموفوبيا إلى التسامح معه، ولكننا مع الأسف لم نجد شيئا من هذا التفاؤل واقعا متحققا حتى كتابة هذا المقال
أخيرا:
هذه الحركة الجيبية من التفاؤل تضعنا أمام تساؤلات لا مفر لنا منها: هل وقعنا في وهم التفاؤل؟ هل أفرطنا في التفاؤل لدرجة انه وقعنا في فخ الأوهام وأحلام اليقظة وصدّقنها لنهرب من يأسنا ووقعنا المزرى؟
عطفا على ما مرّ معنا في ذكر الأمثلة نستطيع القول إنه لبناء دولة تناسب سياقنا التاريخي والثقافي والاجتماعي ولاسترجاع حضارتنا التي كانت في يوم من الأيام على القمة بين الحضارات يجب أن نتفاءل ونتحلى بأمل يوصل امتنا إلى مكانها السابق، لكن لابد لنا من التنبه لأمر مهم هو أن المراقب للسباق أيا كان نوعه لن يفوز بالبطولة مالم يشارك فيها ونحن نمارس هذا الدور مكتفين بمشاهدة الصراعات العالمية على الرغم من كوننا المتأثرين بها على كل الأحوال دون أي محاولات لاغتنام فرصة او استغلال نقطة تسهم في تقدمنا.
باستقرائنا للتاريخ نجد أن غالبية الدول التي أصبحت مؤثرة على الساحة الدولية ظهرت لاغتنامها فرصة أتتها من صراع بين الدول الكبيرة أو ضعف هذه الدول أو نجاحها بمساهمة مادية سبقت به البشرية في مرحلة ما.
وسنجد أن هذه الدول التي أصبحت (حضارات) فيما بعد كانت تعد نفسها لاغتنام أي فرصة تقربها من التقدم وتتحين اللحظة الصفرية للانطلاق نحو العالمية.
لا مخرج لنا إلا بالتفاؤل، لكن يجب علينا الحذر من الوقوع في فخ أحلام اليقظة وألا نكذب على أنفسنا أكثر من ذلك ونضحك عليها بأوهام من النصر القادم وعلينا الانتقال من التفاؤل السطحي الى التفاؤل الحقيقي بوضع قواعد للتغير في كل المجالات السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية.
علينا أن نضع التفاؤل في مكانه الصحيح وسياقه المناسب وإلا فنحن نخدر أنفسنا لنهرب من عالم الواقع المؤلم الى عالم أحلام اليقظة المريح.