التحركات العسكرية في الشمال السوري … هل تنذر بحرب؟
محمد صادق 27.10.2021
بالتزامن مع ترويج النظام لعملية عسكرية مقبلة في مناطق الشمال السوري، ارتفعت وتيرة الحديث عن حشود أخرى تركية باتجاه مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في مدينة تل رفعت شمالي حلب.
فالمتتبع لتصريحات المسؤولين الروس في الآونة الأخيرة حول الإرهاب في ادلب واعتداءاته على مناطق النظام، وكذلك تصريحات أذنابهم من النظام الأسدي وميليشياته الصفوية، والانتهاكات الصارخة والمتكررة لمنطقة التصعيد في ادلب وآخرها مجزرة أريحا، والتي تبدو في أحد جوانبها سياسية وفي الطرف الاخر تلميح للأتراك بأنهم لا يمكن ان يستمروا الى الأبد في ادلب وريفها.
يقابل ذلك تصريحات تركية على أعلى المستويات من أن صبر تركيا قد نفد تجاه قسد، وأن للصبر حدود على منظمة PKK/PYD الإرهابية واستفزازاتها الدائمة للقوات التركية على الأرض، وترى تركيا أن هذه الاستفزازات كانت لم تكن لولا التناقضات الواضحة للروس والامريكان بتفاهماتهم السابقة مع الجانب التركي.
كل هذه التطورات جعلت القضية السورية والوضع في المناطق الشمالية والحدودية يدخل في نفق مظلم تكثر فيها التحليلات والتفسيرات والتكهنات.
فبعد لقاء أردوغان الأخير مع الرئيس الروسي بوتين في سوتشي، زادت مخاوف النازحين السوريين في منطقة ادلب والشمال من صفقة يتخلى فيها الاتراك عن ادلب وخاصة المناطق الجنوبية من الطريق M4 مقابل سماح الروس للأتراك بالاستيلاء على تل رفعت وبعض المناطق الأخرى على الشريط التركي السوري، لكن الاتراك وعلى لسان الكثير من مسؤوليهم والمحللين الاستراتيجيين نفوا ذلك واعتبروا أن ادلب تعتبر خط أحمر بالنسبة لتركيا، كونها خزان بشري كبير للنازحين السوريين، وذهاب المنطقة إلى النظام تعني موجة هجرة جديدة الى تركيا لا طاقة لتركيا بتحملها، وتكون في نفس الوقت ضربة قاصمة لحزب العدالة في الانتخابات التركية القادمة.
على الأرض فإن الاتراك يعززون تواجدهم في ريف ادلب الجنوبي والمتاخم تماما لتواجد قوات النظام الأسدي، ووفقا للتقارير المؤكدة فقد تم عبور عشرات الاليات الثقيلة الى مناطق جبل الزاوية والمناطق القريبة من M4 خلال الأربع والعشرين الساعة الماضية وتمثّل ذلك برتلين عسكريين كبيرين، دخل الأول من كفرلوسين والأخر من خربة الجوز، ولأنّ الأتراك يعلمون تمام العلم أنّ بوتين كاذب ومخادع وأن الروس قد نكثوا باتفاقهم سابقاً مع الاتراك حول نقطة تواجدهم على M5 حتى مورك، وبالتالي فان عملية انسحاب تركيا من جبل الزاوية ومن المناطق الجنوبية لـ M4 مرفوض تماما من قبل الاتراك، والأتراك لن يفتحوا معركة او يهاجموا الا اذا فتحها النظام، وهدف تواجدهم هو حماية المدنيين وردع النظام من التفكير المتهور بدخول تلك المناطق.
أما فيما يتعلق بالجبهة الشمالية واحتمالية شن حرب تركية على قسد وميليشياتها الموجودة في تل رفعت وعين العرب وبعض المناطق الأخرى فقد قام الاتراك بجلب حشود كبيرة الى تلك المنطقة، لكن قرارهم لحد الان يصطدم بالموقف الأمريكي والموقف الروسي من العملية.
الامريكان زادوا من دعمهم العسكري لميليشيات PKK وميليشيات قسد YPG وعززوا تواجدهم في المنطقة حتى يمنعوا الاتراك من التفكير بالموضوع، وخاصة ان إدارة بايدن الديمقراطية تعتبر صديقة للإرهابيين الاكراد وعدوة لتركيا.
بالمقابل فان الروس بدؤوا بإجراء تحركات وتموضعات في المنطقة استعدادا لدخول قواتهم او قوات النظام الى أماكن تواجد قسد والتي تنوي تركيا استهدافها بحملتها الأخيرة وكل ذلك لمنع تركيا من القيام بالعملية، ولا ننسى أنه بالرغم من أنّ روسيا وتركيا تجمعهم بعض المصالح الحالية وعلى رأسها الاقتصاد وصفقة الصواريخ الا أن هناك عداء تاريخي مستحكم بين الدولتين منذ عهد الدولة العثمانية والقياصرة الروس، والروس يسعون بالتفاهم مع الصهاينة والامريكان أن يتحكموا بكامل سوريا مع تأمين مصالح الامريكان واليهود، وبالنسبة لمصالح تركيا فهي مجرد وعود ربما لا تلق لها واقعاً على الارض.
المتتبع لعزم تركيا على تحرير بعض المناطق من يد قسد الإرهابية، يقدر أنّ الحرب هناك قادمة لا محالة قصر الوقت ام طال الا إذا أقدم الامريكان والروس بإرضاء تركيا ضمن تفاهمات يقبلونها تريحهم من استفزازات قسد واسيادهم من البي كي كي.