الانتخابات في ظل سطوة نظام الأسد … لا معنى لها
د. حسين قطريب
منذ وصول حافظ أسد للسلطة في سورية عام 1970م وابنه بشار من بعده في عام 2000م، ينظر الشعب السوري بازدراء لأية عملية انتخابية يجريها النظام ويسوق الشعب للتصويت فيها بالترهيب، وهي في حقيقتها عملية شكلية لتزوير إرادة الشعب واضفاء الشرعية على محسوبيات النظام وحساباته الولائية الطائفية والحزبية.
وهذا الانطباع حول حقيقتها الشكلية مترسخ لدى جميع شرائح الشعب السوري بما فيها شريحة المؤيدين للنظام، فهم يعتقدون كغيرهم بأن قوائم الفائزين بالانتخابات تعد مسبقاً في أفرع حزب البعث والمخابرات، والعملية الانتخابية ماهي إلا غطاء شكلي في مستوياتها كافة، على مستوى الإدارة المحلية، ومجلس الشعب، والرئاسة.
انتخابات الإدارة المحلية 2018م:
أجرى النظام انتخابات مجالس الإدارة المحلية في مناطق سيطرته بتاريخ 16/9/2018م، وتنافس فيها حوالي (40) ألف مرشح على (18478) مقعداً، وكعادته استخدم فيها وسائله التسلطية من خلال الإجراءات التالية:
انتخابات مجلس الشعب 2020م:
أجرى النظام انتخابات مجلس الشعب في 19 تموز 2020م، وبلغ عدد مراكز الاقتراع حوالي 7400 مركزاً، وكان منها مراكز لتصويت قلة من النازحين إلى مناطق سيطرته من أجل اختيار ممثلين عن المناطق الخارجة عن سيطرته في محافظات ادلب وحلب والرقة ودير الزور والحسكة.
وجرت الانتخابات المذكورة في ظروف الثورة، وفي جزء من الجغرافية السورية، وفي بيئة أزمات متعددة الجوانب، أمنية ومعيشية وعقوبات اقتصادية دولية خانقة، ووعد مرشحو حزب البعث فيها بإيجاد حلول سريعة لجميع مشكلات الشعب، والشعب يعي تماماً مدى صدقية وعودهم التي لم يتحقق شيء منها خلال خمسين عاماً من حكم العائلة الأسدية وعصابة البعث.
وكالعادة فور اعلان نتائج الانتخابات بادر الكثير من المرشحين المستقلين للشكوى والطعن بصحة النتائج، وقالوا: شارك في الانتخابات أموات، ومهاجرين، ومفقودين، وتلقى رؤساء اللجان الانتخابية الرشاوى مقابل تزوير النتائج، وتدخلت القوى الأمنية في توجيه الناخبين، وقامت مراكز الاقتراع الخاصة بالمناطق الواقعة خارج سيطرة النظام بتزوير النتائج لصالح مرشحي النظام.
وفي هذا الاستحقاق الانتخابي الذي يجريه النظام كل أربع سنوات مرة، بلغ عدد المرشحين إلى عضوية مجلس الشعب 1658 مرشحّاً، وفاز مرشحو حزب البعث الحاكم بغالبية المقاعد البالغ عددها (250) مقعداً، وغاب التمثيل الحقيقي كما هو الحال دائماً لأية معارضة فاعلة.
وأعلن وزير العدل هشام الشعار رسمياً أن عدد الناخبين في سجلات الدولة بلغ حوالي 19 مليوناً، والذين مارسوا حقهم الانتخابي 6 ملايين و224 ألفاً و687 ناخباً فقط، ما يعني أن نسبة المشاركة بلغت حوالي 33,17 بالمئة من مجموع عدد الناخبين السوريين، والتضليل في هذه النسبة أنها تساوي أكثر من 90% من السكان الذين يعيشون في ظل النظام، وهم وحدهم الذين شاركوا في العملية الانتخابية ولا تتعدى نسبتهم 40% من مجموع سكان سورية! وقد سيقوا للتصويت فيها قهراً.
ويسمى النظام البرلمان السوري بمجلس الشعب زوراً، والشعب براء منه ويزدريه ويصفه بمجلس التصفيق والتطبيل للنظام، ومهمته الحقيقية ليست تمثيل الشعب وإنما التشريع للنظام، ومن يعترض على أية حالة من حالات تشريعه فالسجن مثواه، كما حدث لرياض سيف العضو الأسبق في المجلس.
الانتخابات الرئاسية 2021م:
يعتزم النظام اجراء الانتخابات الرئاسية القادمة بموجب دستور عام 2012م وقانون الانتخابات رقم (5) في موعدها المحدد بعد حوالي شهرين من الآن، متحدياً بذلك آمال الشعب السوري الثائر، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، والإرادة الدولية الرافضة لشرعيته، ويماطل في إحراز أي تقدم على مسار الحل السياسي للأزمة السورية، قبل إجرائها ليفرض بالتزوير أمراً واقعاً لفترة رئاسية ثالثة.
وسيعمل النظام على اخراجها أمام العالم بصورة الانتخابات التنافسية بين عدد من المرشحين، وقد يسمح بمراقبة شكلية عليها من قبل عناصر دولية محددة أو عربية، وقد مهد بشار الأسد لذلك بقوله: “إن الانتخابات الرئاسية السورية في عام 2021 م ستكون مفتوحة أمام أي شخص يريد الترشح وإنها ستشهد مشاركة العديد من المتنافسين”.
والتعددية التي يزعمها ستكون تعددية مصنوعة على أعين النظام وأجهزته الأمنية، وبمساعدة حلفائه الروس والإيرانيين وبعض العرب من داعمي الثورات المضادة لثورات الربيع العربي، بالإضافة إلى الكيان الصهيوني فهو ليس بعيداً عن مساعدة النظام في صناعة هذه التعددية الشكلية، فمنذ مدة طويلة والموساد الإسرائيلي يروج لأشخاص من السوريين المقيمين في الخارج ليكونوا منافسين لبشار الأسد في الانتخابات الرئاسية القادمة، كفهد المصري وكمال اللبواني والهزلي محمد شرتح، ومثل هذه الشخصيات ليس لها أية حظوظ بالفوز!
والانتخابات الحرة النزيهة التي تفضي إلى نتائج مرضية شعبياً، وتكون مشروعة دستورياً، ينبغي أن يتحقق فيها عدد من الشروط، أهمها ما يلي:
ولا يتوفر حالياً في سورية أي شرط من شروط العملية الانتخابية الحرة النزيهة، ولم يتوفر أي منها سابقاً في ظل الطغمة الأسدية التي حكمت سورية لأكثر من خمسين عاماً، وكعادة النظام سوف يتحكم بالعملية الانتخابية كما يريد لضمان فوز بشار الأسد، وربما يقبل في هذه المرة بنسبة فوز أقل من 99% لغض إضفاء العقلانية على النتيجة.
والمرشح للرئاسة يحتاج لقبول ترشحه بموجب قانون الانتخابات السورية رقم (5) إلى تأييد خطي من قبل خمسة وثلاثين عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشعب الحالي الموالين تماما للنظام، ما يعني قدرة النظام على التحكم المطلق بمن سيسمح له بالترشح وبمن لا يسمح له بذلك.
ويشترط أيضاً في المرشح لانتخابات الرئاسة أن يكون مقيماً في سورية مدة لا تقل عن عشر سنوات متواصلة عند تقديم طلبه للترشح، وهذا الشرط يحول دون ترشح جميع المعارضين المقيمين في خارج سورية، وهناك الكثير من المحددات الأخرى التي تيح للنظام التحكم بالعملية الانتخابية وبنتائجها.
كنص قانون الانتخابات على اقتراع الناخب في الخارج بجواز سفر ساري المفعول ومختوم بختم الخروج من أي منفذ حدودي سوري، ومعظم السوريين المقيمين في الخارج ليس لديهم جواز سفر ساري المفعول، وقد خرجوا لاجئين بالملايين من دون ختم جوازاتهم من المنافذ السورية.
ويتم تشكيل اللجان الانتخابية من موظفي الدولة الموالين للنظام، وتختارهم أجهزته الأمنية من أعضاء حزب البعث الموثوقين جداً، ويتولون مهمة إدارة مراكز الانتخابات والإشراف عليها وفرز الأصوات وتزوير النتائج إن لزم الأمر.
ناهيك عن تشتت المعارضة السورية وانقسامها وظروف النزوح واللجوء لأكثر من نصف الشعب السوري، وإمكانية إرهاب المواطنين السوريين الواقعين تحت سيطرة النظام.
خيارات المعارضة وقوى الثورة السورية:
إن من أهم خيارات المعارضة وقوى الثورة السورية بشأن الانتخابات الرئاسية القادمة ما يلي:
أوراق بيد المعارضة وقوى الثورة السورية:
هناك العديد من المعطيات المحلية والدولية التي قد تشكل فرصةً سانحةً أمام المعارضة وقوى الثورة السورية، إذا ما أحسن استخدامها كأوراق ضغط على النظام وحلفائه، وأهمها ما يلي:
ولا شك أن روسيا التي دعمت النظام وأصبحت فاعلة جداً بالوضع السوري، تضع نصب أعينها استحقاق الانتخابات الرئاسية القادمة وتوليه اهتماماً كبيراً في مجال حل الأزمة السورية، وهي تدرك أنَّ بشار الأسد بات يشكّلُ عبئاً سياسياً ودولياً ثقيلاً عليها، وخاصة في ظل الأزمات الاقتصادية المتأزمة في مناطق النظام، وتفاقم معاناة حاضنته الشعبية.
وتدرك روسيا أيضاً استحالة تحقيق المصالحة الوطنية بوجوده بشار الأسد وعصابته المجرمة، وصعوبة إعادة تأهيله في ظل الرفض الدولي له، وأن قطف ثمار تدخلها في سورية وضمان مصالحها لمدة أطول في سورية، يتطلب توجيه بوصلتها نحو إنهاء دوره، واستبداله برئيس ونظام وطني ديمقراطي ينهي الأزمة السورية، ويحقق المصالحة الوطنية.