عِلاوة على ذلك، أعرب الرئيس عن خيبة أمله للصحافيين في طريق عودته من نيويورك من أنه لم يحدث لقاء رئيس لرئيس مع الزعيم الأمريكي جو بايدن على هامش اجتماع الأمم المتحدة كما تقتضي الدبلوماسية.
في الواقع، أعرب أردوغان عن تلك الشكوى من خلال إثارة علاقاته مع أسلاف بايدن، وكذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. كما وصف الوضع الحالي بين الولايات المتحدة وتركيا، الحلفاء الرئيسييْنِ في الناتو، بأنه “غير صحِّي” و “نذير شُؤْم” – داعياً واشنطن إلى الانسحاب من سورية والعراق.
أخيراً، كانت هناك تقارير إعلامية تفيد بأن بايدن وأردوغان كان من المقرر أن يلتقيا في روما، وهو ما اعتبره المراقبون استجابةً سريعةً وإيجابيةً من الولايات المتحدة، في ضوء هذه التطورات، أصبح لقاء أردوغان وجهاً لوجه مع بوتين محاولة من قِبل أنقرة “لتحقيق توازُن” بين موسكو وواشنطن.
الغرب وتركيا وروسيا
من الواضح أن التحالف الغربي (ولا سيما الولايات المتحدة) يلعب دوراً مُهِمّاً في علاقات تركيا مع روسيا. فقد تخلَّى الغرب عن تركيا في أعقاب الحرب السورية ورفض بيع صواريخ “باتريوت” لأنقرة أيضاً، وكل ذلك كان له تأثير خطير. مرة أخرى، من المحتمل أن يكون بوتين قد باع نظام الدفاع الجوي “S-400” للأتراك لتغذية التوترات داخل “الناتو” وبيع الأسلحة إلى أسواق جديدة.
ومع ذلك، فمن الخطأ تقليص الوضع الحالي للعلاقات بين تركيا وروسيا للاستفادة من محاولة تحقيق توازُن، أو كما كتبت صحيفة نيويورك تايمز، “تهديد الولايات المتحدة من خلال التقرُّب من السيد بوتين مع ترك مسافة هي عبارة عن سعي للحصول على شيء من واشنطن”.
إن النطاق الواسع لاجتماع أردوغان مع بوتين من المواضيع المتعلّقة بـ (سورية، وإدلب، وحزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب، ومنبج، وأفغانستان، وليبيا، وممر زانجيزور، ومنصّة القوقاز المكونة من ست دول، و”إس -400″، والمحركات النفاثة، والتعاون الفضائي، والغاز الطبيعي، والطاقة النووية والمفاعلات، والتجارة والسياحة) تشير إلى أن هناك اعتبارات ثانوية وأخرى من الدرجة الثالثة بالإضافة إلى أمور تمسُّ شأن توازُن القوى.
تمثّل المنافسة لمَلْء فراغ القوة الإقليمي، الناجم عن الانسحاب الأمريكي أو إعادة التموضُع، البُعد الثاني للعلاقة التركية الروسية، وليس سراً أن تركيا وروسيا ينتهي بهما الحال أحياناً على طرفَيْ نقيضٍ في تلك المنافسة. فالروس غير راضين عن تعاوُن تركيا الدفاعي مع أوكرانيا وليبيا ودول أوروبا الشرقية. وفي المقابل، تُعتبر سورية منطقة رئيسية حيث تتحدى روسيا فيها تركيا. ومع ذلك، لا يمكن حساب منافسة تركيا مع روسيا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا الشرقية والبحر الأسود وحتى آسيا الوسطى فيما يتعلق بالسعي لتحقيق توازُن بين الولايات المتحدة وروسيا. بدلاً من ذلك، تزيد أنقرة من وجودها العسكري في تلك المناطق للدفاع عن مصالحها الوطنية. فتقوم بإطلاق مُبادَرات تجارية ومحاولات لتحويل صناعة الدفاع إلى جزء أساسي من سياستها الخارجية.
التأثير العالمي
البُعد الثالث يتعلق ببروز تركيا كقوة ذات تأثير عالمي. حيث إن قيام أنقرة بسلسلة من الخطوات “لتوسيع محفظتها الإستراتيجية” لا يخفى على أحد. وبفضل دبلوماسية أردوغان النِّديّة، تُخاطر الدولة وتنخرط في التوترات بينما تختار في الوقت نفسه التطبيع كما تشاء. وقد يثير الوجود التركي النشط في العديد من مناطق الأزمات والاختراق بعض ردود الفعل الأولية، لكن في خضمّ التوترات تأتي هناك فرص تُفسح المجال أمام التعاون بين المتنافسين. وبالفعل هذا بالضبط ما حدث في تطورات علاقات تركيا مع مصر والخليج وبعض الدول الأوروبية. ويبرز دور الدفاع والطاقة وهما القطاعان اللذان أثبتا أنهما يمثلان المجالات التي تستعرض فيها تركيا قوتها، بدلاً من أن تقتصر على دور ممر العبور.
سيتمّ أرشفة الاجتماعات الثنائية بين أردوغان وبوتين في تاريخ الدبلوماسية كأمثلة بارزة للدبلوماسية القائمة على النِّدية. وبفضل تلك الاجتماعات شهدت العلاقات التركية الروسية تحوُّلاً مُتعدِّد الأبعاد منذ إسقاط الطائرة الروسية في عام 2015. وعلى هذا النحو، أصبحت العلاقات الثنائية متعددة المستويات، حيث أصبحت تركيا تلعب دوراً أكثر نشاطاً. وفي الوقت نفسه، ينطبق منطق فريد على مناطق المنافسة، من سورية وليبيا إلى ناغورنو كاراباخ. إنه يعكس توليفة مثيرة للاهتمام، حيث يسير التعاون والمنافسة جنباً إلى جنب. وعليه تتم إدارة الأزمات وتحقيق قفزات جديدة في التعاون نتيجة لقاءات متكررة بين الزعيمين.
لقد حان الوقت للنظر إلى العلاقات التركية الروسية من منظور “الاستجابة المُبكرة لمنافسة القوى العظمى” بدلاً من نهج توازُن القوى الكلاسيكي.
المصدر: صحيفة ديلي صباح / ترجمة: عبد الحميد فحام