القوات الأمريكية في سوريا تتصدى لمهمة أكثر تعقيدًا – ومن المحتمل أن تكون خطيرة
29/03/2020
ولي رأي بوباء كورونا … ليس مؤامرة وليس انتقام رباني
30/03/2020

أزمة شخصنة الثورة

 عيسى حسين المحمد*

استهلالinitiation

هناك مصطلح في علم النفس يدعى تداعي المعاني association of thoughts فمثلاً إذا سمعت مثلاً شعبياً أو مصطلح علمي أو شاهدت حدث ما، استدعى الى ذهنك شيئاً آخر له علاقة بما تسمع أو ترى، ويعرّف علماء النفس هذا المصطلح بأنه: حالة تحدث للإنسان عند سماعه أو رؤيته أمراً ما فيربطه فوراً بأمر آخر… وهكذا…

واليوم هناك الكثير من الناس بمجرد ما إن تسأله عن رأيه بالثورة فلا يخطر بباله سوى ذلك القائد الفاسد، وذلك المجلس المستبد، والوضع الاقتصادي السيء، والتهجير، والمفخخات، وغيرها من الأمور السيئة التي لم يستطع إناخة ركاب فكره عن تداعيها.

ثم إننا اليوم وبعد خروجنا من فقه الفتنة الى فقه الثورة ” بتعبير الشنقيطي”[1]، هناك من لا يهمهم ما جاءت به الثورة، بل ما يهمهم هو من يمارس العمل الثوري فيشتمون الثورة ويتهمونها بالخيانة لا لشيء، فقط لإن من قاموا بها غير مرضيٍّ عنهم، أو أن ما يقومون به لعب مع الكبار ولا فائدة منه البتة.

هذا ما يسمى بالشخصنة personalization التي تعتبر صنف شائع جداً من المغالطات، وجزء لا يتجزأ من ثقافة البعث التي لا زلنا نعاني من ثقلها، فالحجة والدعوى تكون خاطئة بسبب معلومات متعلقة بالشخص الذي يعرض هذه الدعوى، وليس بالدعوى نفسها. وقد عرّفها قاموس Oxford بأنها: عملية صنع شيء مناسب لاحتياجات شخص معين.

سأحاول في هذه الورقة إثبات صحة فرضية أن الشخصنة هي السبب الرئيسِ في الشرخ الحاصل بين الثورة السورية وحاضنتها الشعبية!

الأسباب

لكل ظاهرة أسباب تؤدي اليها، وهذه الأسباب إما أن تكون من خارج بيئة الظاهرة أو من داخل البيئة المحيطة بها، وباعتبار أن ظاهرة الشخصنة هي ظاهرة اجتماعية ولدت في المجتمع السوري منذ زمن طويل وقويت شوكتها في ظل البعث، واشتد عودها في ظل الثورة السورية، فإن أسبابها من بيئتها الداخلية، ومن هذه الأسباب:

  • ثقل الموروث البعثي:

عندما يكون طرف من الأطراف غير قادر على الرد على دعوى الطرف الآخر بالحجة والدليل الدامغ الصحيح، يهاجمه بعنف ويتهمه بشتى الاتهامات، فيترك الفكرة ويهاجم الشخص. هذا ما اعتدنا عليه في ظل البعث وما زلنا نعاني منه في ظل الثورة، والخروج من عباءته المحكمة الاغلاق ليس بالأمر السهل، فهو حكر لأشخاص معدودين.

يمكن القول بأن أيديولوجيا البعث لا تزال متحكمة في عقول الكثير منا، فرغم خروجنا عن سيطرته الجغرافية إلا أنه لازال بيننا، فمثلا: اليوم كثير من  يختزل الثورة بفصيل عسكري أو مجلس محلي أو يربط الثورة بربطة الخبز، وما هذا إلا أثر من آثار البعث، فالآلة الإعلامية القويةـ مقارنة بالثورةـ والموحدة الخطاب استطاعت أن تغرس في عقول السوريين فكرة مركزية وهي أن هذه الثورة ما هي الا خراب للبلاد، ودمار للعباد، فلسان الحال حسب منطوق البعث يقول: كنا عايشين، كانت اسطوانة الغاز مجانية تقريباً، كان الخبز رخيصاً…الخ، حتى جاء هؤلاء(الثوار) وخرّبوا كل شيء، لقد نظروا بأعينهم ولم ينظروا بقلوبهم لهذه الثورة، فكانت النتيجة أنهم رأوا ما تشتهيه أعينهم لا ما تشتهيه قلوبهم. فالنظام يحاول ارجاعنا الى صندوقه المحكم الاغلاق وما زال خطابه كخطاب أبي جهل للأخنس بن شريق، فـ الأخنس بن شريق في يوم بدر قال لأبي جهل: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد؛ أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ها هنا من قريش أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا. فقال أبو جهل: ويحك! والله إن محمدا لصادق، وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟[2] ولسان حاله كفرعون عندما قال لموسى: (قال ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنينا)[3] وكأن العيب والنقص في دعوة موسى عليه السلام هي أن موسى كان ربيباً لفرعون ولم يكن خروج موسى من صندوقه مرضياً له.

 إنها الثورة وليست فصيل، إنها فكرة نبعت من وجدان السوريين وليست دخيلة عليه كالبعث. اننا اليوم نعيش في الطور الثاني من حياتنا وهو طور التعلق بالأشخاص وهذا الطور الذي يكون في الوسط بين طور التعلق بالأشياء وطور التعلق بالأفكار كما أشار الى ذلك مالك بن نبي. فلا زلنا ندور في فلك الأشخاص وليس الأفكار، ونحن بذلك نسدي خدمة لنظام البعث الذي يريد جماهير مغيبة الوعي، تسير خلفه طواعية العبد مع سيده، وهذا ما نراه في مناطق سيطرته، إنهم يسيرون خلفه الى معارك لا يدري القاتل فيما قتَل، بينما يدري المقتول فيما قُتل.

  • فكر السلفية الجهادية:

السلفية الجهادية عبارة عن جماعات أو أفراد حملوا فكرة الجهاد المسلح ضد الحكومات القائمة في بلاد العالم الاسلامي أو ضد الأعداء الخارجيين، وحملوا فكراً محدداً يقوم على مبادئ الحاكمية وقواعد الولاء والبراء وأساسيات الفكر الجهادي السياسي الشرعي المعاصر كما هو مفصل ومعروف في أدبياتهم، ومن هذه الادبيات:

  • توحيد الحاكمية:

 الذي يمثل جوهرة القلادة هو مبدأ الحاكمية لله ويعني أن تكون مرجعية التشريع الوحيدة في الدستور والقوانين هي الشريعة الإسلامية بما تحمله من مصادر أصلية وفرعية وتعني أن الحكم والتشريع هو حق خالص للخالق، فأي إضافة مساوية أو إباحة للأخذ من مرجعية أخرى بجانب الشريعة الإسلامية فهذا شرك وكفر بالله الخالق.

  • الولاء والبراء: مبدأ الولاء والبراء ويعني أن تكون الدولة قائمة على أساس إسلامي ديني وليس شعوبي قومي ولاؤها للإسلام والمسلمين ومعادية للشرك والمشركين دولة تتبنى الإسلام في سياستها الداخلية ليصبح المسلمون في موضع عزة وتحكم في مفاصل الدولة المهمة، وفي السياسة الخارجية هدفها إعلاء كلمة الله وإقامة دولة إسلامية عالمية قوية، دولة معادية للأنظمة المحاربة والغير شرعية (والنظام الشرعي من وجهة النظر الفقهية السلفية إما أن تكون الدولة: إسلامية تحكم بالشريعة أو ذمّية تدفع الجزية أو معاهدة).

هذه الأدبيات التي تعتبر من قواعد الايمان التي لا يمكن تجاهلها، ولكن الخطاب السلفي الجهادي لدى بعض الفصائل الجهادية استخدم هذه الأدبيات ضمن خطاب عاطفي جعل الكثير من الناس أسرى للعاطفة الدينية التي لا تريد من المسلم سوى الموت في سبيل هذا الدين، وليس الحياة لأجله. وفي المقابل شعر الكثير من الناس انهم يعيشون في مجتمع غارق في الكفر والردة ولا حل الا بتحكيم الشريعة، ولكن الذي حدث أن لا شريعة حكمت ولا حدود أقيمت، وردة ثورية لصالح الجهادية بتشخيص الثورة وتكفير قادتها ورموزها.

خاتمة

يمكن القول إن هذه المغالطة الشائعة يصعب التغلب عليها في الوقت الحالي، وذلك لما ذكرناه من أسباب، ولكن بالإمكان تفاديها إن تمكن الشخص من التمييز بين القضية العامة ر(الثورة) والحالة الخاصة. والتشوه المعرفي Cognitive malformation الذي سببته الشخصنة مازال يأخذ دوره كاملاً، ويجعلنا بعيدين عن الموضوعية التي تعتبر حل مبدئي للشخصنة، ويكفي أن ننظر الى جوهر الثورة حتى نعلم أنها ليست حاجز عسكري أو ما شابه. ذلك الجوهر الناصع الذي طغى على سواد البعث، وانتصر للكرامة الجريحة التي لم نرها الا في هذه الثورة، التي تعيش اليوم ارهاصات النصر. يجب علينا الخروج من مرحلة شخصنة الثورة الى مرحلة ربط الثورة بمؤسسات لا بأشخاص، ويجب أن نُهجّر أنفسنا من منطقة الأشخاص الى منطقة الأفكار فالثورة فكرة والفكرة ستقتل الصنم.

*إجازة في العلوم السياسية
[1]  محمد بن المختار الشنقيطي، الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية من الفتنة الكبرى الى الربيع العربي، منتدى العلاقات العربية والدولية، الدوحة-قطر 2018م، ص 407.
[2] ابن قيم الجوزية، هداية الحيارى، 50-51.
[3] سورة الشعراء، 18.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *