تقرير عن ندوة المركز في مدينة ادلب عشر سنوات على الثورة: النجاحات، الإخفاقات، وما يتوجب عمله
03/04/2021
الآثار الاقتصادية لأزمة المحروقات في مناطق النظام في سورية
11/04/2021
مشاهدة الكل

أزمة الوثائق المدنية في المناطق المحررة

أزمة الوثائق المدنية في المناطق المحررة

أ. عمر حسن قاسم

المركز السوري سيرز – 06.04.2021

تعتبر الوثائق الشخصية التي يحملها الشخص ذات أثر قانوني بالغ الأهمية فهي الدليل القانوني على وجود الشخص وتمتعه بالشخصية القانونية التي ترتب له الحقوق وتوجب عليه الالتزامات.

يواجه السوريون في المناطق المحررة شمالي حلب وإدلب مشاكل عديدة منها نقص التعليم وعدم وجود وثائق تثبت جنسياتهم السورية، فعدم إصدار أوراق ثبوتية أحد العقوبات التي يطبقها النظام السوري بحق من يخرج عن بيت طاعته.

وتعتبر الوثائق الشخصية أحد أهم الملفات الشائكة في مسيرة “الحكومة المؤقتة”، إذ لم تعترف الدول بشكل فعلي وواقعي بها، كون هذا الاعتراف يترتب عليه تبعات كثيرة، منها الاعتراف بكل الوثائق التي تصدر عنها.

بعض الكلمات المفتاحية:

الامانة1: تحدث أمانة السجل المدني بقرار من وزير الداخلية عندما تقتضي الضرورة ذلك أو عندما يتم احداث محافظات أو مناطق أو نواحي جديدة، حيث يكون لكل مواطن أمانة يتبع لها، حيث تقسم كل محافظة إلى عدد محدد من الأمانات وتكون فيها دوائر السجل المدني.

القيد2: مجمل البيانات المتعلقة بالمواطن والمدونة في السجل المدني، حيث يتكون القيد المدني من البيانات الاتية: اسمه ونسبته واسم والده ووالدته ومكان وتاريخ ولادته ووضعه العائلي ودينه ومحل ورقم قيده وتاريخ تسجيله ومكان اقامته ورقمه الوطني والاسري

رقم القيد (الخانة): فتشير إلى رقم عائلة المواطن ضمن القرية أو البلدة التي ينحدر منها، إذ أن لكل عائلة رقم يحمله الجد الأكبر لهذه العائلة ويعطى لكل مواليد عائلة هذا الجد، وتشير هذه الأرقام/الخانة إلى عدد العائلات الأصلية الموجودة في البلدة أو القرية.

البطاقة الشخصية3: هي الهوية الشخصية التي يجب أن يحملها كل شخص اتم الرابعة عشرة من عمره وتحمل رقما وطنيا صادرا عن امانة السجل المدني المدون فيها قيده وتكون الوثيقة التي يجري العمل بها ضمن الدوائر الرسمية للدولة.

البطاقة الاسرية 4: على الزوج أو الزوجة أن يستحصلا على بطاقة أسرية، وهي عبارة عن خلاصة السجل المدني لصاحب العلاقة، والذي يثبت الزواج ونسب الأولاد (هوية الاسرة).

الواقعة5: هي كل حادثة أحوال مدنية ممن واقعة الزواج أو الطلاق أو الولادة أو الوفاة وما يتفرع عنها.

مقدمة:

مع انطلاق الثورة السورية وانحسار النظام السوري لمراكز المدن، عمد الى معاقبة المناطق الثائرة، وقام بإيقاف عمل كل مؤسسات الدولة في المناطق الخارجة عن سيطرته وكان من بينها دوائر الأحوال المدنية، الامر الذي ادى الى فقدان الالاف من السوريين لوثائقهم الشخصية.

ومع انحسار الرقعة الجغرافية للمعارضة السورية وتهجير المناطق الثائرة الى الشمال السوري بالإضافة لتدخل الجيش التركي ضمن عمليات درع الفرات وغصن الزيتون في الشمال السوري، وقيام المجالس المحلية بدعم تركي بتخديم المناطق المحررة، برزت الحاجة الى اصدار بطاقات شخصية لمن فقد أوراقه الثبوتية ووثائقه.

تجربة بعض مجالس المحافظات:

مع الاستقرار النسبي الذي تحقق في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون التي تم تحريرها من قبل الجيش الوطني وبدعم من الجيش التركي، وبعد ان اكتظت المناطق الامنة الجديدة بالمهجرين من مناطق أخرى، قامت بعض مجالس المحافظات بموافقة الحكومة المؤقتة بتأسيس مكاتب للأحوال المدنية تعمل وفق الالية والإجراءات التي كان تعمل عليها دوائر الدولة التابعة للنظام السوري.

وقد كانت الحاجة ماسة جدا لوثائق الأحوال المدنية من اخراج قيد فردي وبيان عائلي وتوثيقا لواقعات الزواج والطلاق والوفاة والولادة، حيث ان اغلب المهجرين قسرا من مختلف المناطق قد هجروا بعد قيام النظام والروس بعمليات عسكرية كبيرة أدت لفقدان الالاف لوثائقهم، وأيضا كانت المنظمات الإنسانية التي تكفل الايتام والارامل بحاجة الى وثائق شخصية للتأكد من صحة الادعاءات التي يتقدم بها الشخص للحصول على دعم هذه المنظمات، أيضا المنظمات الإنسانية كانت بحاجة لإثبات لوجود العائلة المهجرة التي يجب دعمها وتخديمها، أيضا الافراد الذين يرغبون بالتقدم للوظائف والشرطة على سبيل المثال كانوا بحاجة لإثبات شخصية ذلك المتقدم لتلك الوظائف.

ومن الجدير بالذكر ان السجل المدني لريف دمشق كان الاوسع انتشارا حيث تمكن من توثيق واستخراج الاف الوثائق وقدم خدمات للمواطنين بمهنية عالية، بالإضافة لمكتب السجل المدني لمحافظة حمص الفاعل الذي قدم خدمات لأهالي حمص الذين فقدوا اوراقهم الشخصية، وأيضا مكاتب السجل المدني لمحافظات حماه ودير الزور والرقة ودرعا، وكانت هذه المكاتب تتبع إداريا للمديرية العامة للأحوال المدنية التابعة للحكومة السورية الموقتة، لكن بسبب ضعفها المادي كانت مجالس المحافظات هي من يقدم الدعم لهذه المكاتب الناشئة.

ويمكن القول ان عمل مكاتب الأحوال المدنية السالفة الذكر كانت تعمل وفق القانون رقم (26) لعام 2007 وتعديلاته الناظم لشؤون الأحوال المدنية، كما ان اغلب موظفي هذه المكاتب كانوا من المحامين الأساتذة.

والملاحظ ان هذه التجربة كانت محاولة من المكاتب المدنية لسد الفراغ الذي خلفته مكاتب الأحوال المدنية التابعة للنظام السوري وللحفاظ على هوية وأصل العائلات التي اضطرت للتهجير للشمال السوري المحرر. لكن لم يكتب لهذا المشروع الاستمرارية لعدة أسباب ومعوقات لا يسعفنا الوقت للخوض فيها، وكاد ان يتم اغلاق هذه المكاتب من قبل المجالس المحلية التي لم تعترف بهذه الوثائق الصادرة عن هذه المكاتب، لينتهي المطاف بقيام هذه المكاتب بتسجيل الواقعات دون السماح لها باستصدار بطاقات شخصية أو ان يكون لوثائقها أي دور في تسيير معاملات المواطنين.

تجربة المجالس المحلية والبطاقة التعريفية:

لم تجد الوثائق الصادرة من مكاتب الأحوال المدنية السابقة الذكر القبول من السلطات المحلية في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، فقامت المجالس المحلية في عام 2018في منطقة درع الفرات وغصن الزيتون وبدعم تركي بإصدار بطاقات شخصية وبيانات عائلية الامر الذي اثار لغطا كبيرا حول هذه البطاقة الشخصية والسبب في ذلك:

– لقد تم تسجيل قيود غير حقيقية للمواطنين سواء المقيمين أو المهجرين عبر منحهم بطاقات تعريفية يتم فيها اغفال الأمانة الحقيقية ومحل القيد وتكمن خطورة ذلك (في أن تغيير القيود بهذه الطريقة سيسبب فوضى كبيرة لدى السوريين، ويمكن أن تؤدي الى ضياع الانساب، ويمكن مستقبلا فقدان الشخص للجنسية السورية).

– يؤدي منح هذه البطاقات التعريفية لجميع القاطنين في منطقة معينة دون التمييز بين المقيم أصلا وبين المهجر الى طمس أصول المقيم والمهجر على السواء.

البطاقة التعريفية الصادرة عن المجالس المحلية:

يعد اصدار البطاقات الشخصية التجربة الأولى من نوعها في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، فقد عجزت مؤسسات الثورة طوال سنوات الثورة عن اصدار الوثائق المعترف بها كالبطاقات الشخصية وغيرها.

قامت المجالس المحلية بعد 2018 المدعومة تركيا بإصدار بطاقات تعريفية لجميع المقيمين, حيث كانت تحمل اسم الشخص ونسبته واسم والداه ومكان ولادته الأصلي والأمانة التي يقيم فيها وليست الأمانة الاصلية وقيدا يختلف عن قيده الحقيقي وتحمل رقما شخصيا كما أنها كتبت باللغتين العربية والتركية وعلى يمين البطاقة يوجد علم الثورة السورية وعلى يسارها صورة الشخص وفي الوسط وحتى الأسفل وفي الخلف بيانات الشخص, وقامت بإغفال الأمانة الحقيقية ومحل القيد كما اشرنا, الامر الذي أدى الى رفض استخدامها بداية من قبل المهجرين والمقيمين، مما اضطر المجالس المحلية لإصدار تعميمات الى أجهزتها ومكاتبها والحواجز العسكرية والشرطية  بالاعتماد على البطاقة التعريفية الصادرة عن مكاتب السجل المدني لدى المجالس المحلية، وبالتالي منع أي شخص لا يحمل هذه البطاقة من الاستفادة من المساعدات الخدمية والاغاثية والتعليمية والطبية، مما اجبر الكثير من القاطنين في هذه المناطق على استخراج هذه البطاقات للاستفادة من الخدمات التي تقدمها هذه المجالس.

ومن الجدير بالذكر ان هذه البطاقات من السهل تزويرها الى حدى كبير، حيث يكفي أن يذهب الشخص الى المختار الذي عينه المجلس المحلي من أبناء (المنطقة حصرا ) والذي يجهل معلومات كثيرة عن الشخص المهجر على سبيل المثال  ليطلب منه اثبات إقامة ويحضر الشخص شاهدين على انه مقيم في منطقة معينة ويقوم المختار بتدوين البيانات المتعلقة بالشخص على ورقة مختومة، ومن ثم يذهب هذا الشخص لمكتب النفوس لكي يبصم البصمات العشرية ومن ثم يحصل على بطاقة شخصية، ويتم تسجيل بيانات الشخص على بطاقة التعريف بناء على البيانات الواردة في دفتر العائلة أو الهوية الأساسية، وفي حال غيابها عليه الحصول على شهادة تعريف من قبل مختار المجلس المحلي التي يمنحها للشخص بناء على شهادة الشهود.

ويمكن ان يتم اصدار هذه البطاقات التعريفية بناء على معلومات وبيات غير صحيحة، حيث قام الكثير من الأشخاص بإصدار اخراج قيد فردي وحتى بيانات عائلية وحتى هويات شخصية مزورة كتلك التي تصدرها الحكومة السورية التابعة للنظام من محلات التزوير (وما اكثرها في المحرر للأسف) وذلك للاستفادة من بعض الخدمات والوظائف كالالتحاق بالشرطة أو الزواج المبكر أو حتى الاستفادة من المواد الاغاثية.

ومع الاعتراض والنقد الشديد لقيام المجالس المحلية بإصدار بطاقات تغفل الأمانة والقيد الحقيقيين للشخص، قامت جهات وهيئات ثورية عدة بالضغط على المجالس المحلية للتوقف عن اصدار بطاقات شخصية لا تحمل القيود الحقيقية لصاحبها، ولكن كان إيقاف ذلك غير ممكن حسب زعم المسؤولين في هذه المجالس، حيث ان هذه المجالس تعتبر البطاقة الشخصية بطاقة تعريفية لأمور إحصائية ولضبط الوضع الأمني المتردي أصلا، أيضا البرنامج الذي تعمل عليه المجالس المحلية قد تم ربطه مع وزارة الداخلية في العاصمة انقرة حسب ادعاء بعضهم6، وهذا البرنامج صمم بطريقة لا يسمح للوظف باختيار أي منطقة إدارية غير تلك التي يتضمنها هذا البرنامج، فمثلا المناطق الواردة في البرنامج ضمن خانة الأمانة هي المناطق المحررة ضمن النفوذ التركي (عفرين، الباب، جرا بلس، اعزاز، جند يرس……الخ ) فاذا كانت امانة الشخص الحقيقية مثلا دوما فإن هذه المدينة غير موجودة بالبرنامج وانما يتحتم على الموظف اختيار احدى هذه المناطق المذكورة ضمن البرنامج.

ولابد من القول من انه لا يوجد قانون ناظم لعمل مكاتب السجل المدني التابعة للمجالس المحلية ولم تصدر أي تعليمات أو أنظمة بشأن ذلك حتى الساعة.

خاتمة وتوصيات:

بداية لابد حصر موضوع الأحوال المدنية بجهة مركزية واحدة تعمل وفق مهنية عالية، فلا بد من تفعيل وزارة الداخلية بالحكومة الموقتة نظرا لما يترتب عليه من مصالح كبيرة تحفظ السوريين المهجرين قسرا وانسابهم واصولهم.

التوضيح للمواطنين الذي لا لبس فيه لحقيقة البطاقة التعريفية التي تصدرها المجالس المحلية بحيث لا تتعدى وظيفتها ضبط الوضع الأمني ومعالجة المشكلة الإحصائية إضافة لسد الفراغ الناجم عن منع النظام السوري لمكاتب الأحوال المدنية بتخديم أي مواطن خارج سيطرته.

تأهيل الكوادر في هذا المجال واستقطاب العنصر المتخصص وتدريبه وتأهيله.

من الأهمية بمكان قنونه عمل مكاتب الأحوال المدنية وفق قانون معين لكي يكون ملزما وواضحا ومحددا وناظما لعمل مكاتب الأحوال المدنية.  

المراجع:

 (1-2-3-4-5) قانون الأحوال المدنية الصادر بالمرسوم التشريعي 26 لعام 2007 والمعدل بالقانون رقم 20 لعام 2011 وبالقانون رقم (24) لعام 2015 وبالقانون رقم /4/ للعام /2017/.

(6) لا يوجد شيء رسمي يؤكد ذلك.

دراسة ميدانية اجراها الباحث من خلال تجربة عمل لمدة سنة ونصف من العمل في السجل المدني في الشمال المحرر وعدد من اللقاءات مع العاملين في نفس المجال.

لتحميل البحث بصيغة بي دي اف PDF

أزمة الوثائق المدنية في المناطق المحررة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *