سياسة الولايات المتحدة لتقليص النفوذ الإيراني في سورية
10/03/2020
مع إصرارها على أنها خالية من الفيروسات التاجية ، سوريا تتخذ خطوات واسعة لمنع الانتشار
15/03/2020
مشاهدة الكل

أزمة الشرعية في المملكة العربية السعودية

أزمة الشرعية في المملكة العربية السعودية

بلال صطوف

محمد أديب عبد الغني

مقدمة

تناقلت وسائل الإعلام خبر اعتقال السلطات السعودية الأمير أحمد بن عبد العزيز والأمير محمد بن نايف بتهمة الخيانة العظمى والتواصل مع قوى أجنبية, لم تكن هذه الحالة الأولى التي يتم فيها اعتقال أفراد من الأسرة الملكية السعودية فقد سبق ذلك اعتقال عدد كبير من مسؤولي الدولة السعودية والعائلة الحاكمة وشخصيات اقتصادية شهيرة بتهم الفساد وإيقافهم في فندق الريتز كارلتون, وطالت حملات اعتقال أخرى عام 2017 كل من الدعاة سلمان العودة وعوض القرني وصالح الفوزان، لتنطلق بعدها حملة الاعتقالات بسرعة كبيرة لتشمل رموزاً إسلامية بارزة, مثل الأكاديمي في المعهد العالي للقضاء عبد العزيز الفوزان، وإمام الحرم المكي صالح آل طالب، والشيخ سفر الحوالي، فضلاً عن ناشطين وناشطات ليبراليين, تأتي هذه الأحداث في وقت تشهد فيه السلطة الحاكمة تغيراً في منظورها للدولة والمجتمع والحداثة من خلال رؤية 2030 التي تبناها محمد بن سلمان ولى العهد الحال, والتي تقوم في جوهرها على تبنى أنماط سلوكية غربية لنقل المجتمع السعودي لمستوى من “الحداثة المتقدمة” والتي لم تكن قد شهدتها المملكة في سابق عهدها بهذا المستوى والوتيرة.

فإلى أي مدى يمكن أن تشكل هذه الأحداث تغيراً في أسس النظام السياسي للمملكة؟

وما هي المألات المترتبة على هذه التغيرات؟

لكل نظام سياسي مجموعة من الأسس التي يقوم عليها ويرتبط بها وتشكل الدعائم الأساسية لاستمراره وكل تغير في بنية هذه الدعائم يشكل مصدر تهديد لاستقرار النظام السياسي وقد وصف ابن خلدون هذه الدعائم ” بالعصبية “.

ويقوم النظام السياسي في المملكة العربية السعودية على مجموعة من الدعائم التي تشكل ” عصبية الدولة ” وهي:

أولاً: العقيدة الوهابية

تشكل العقيدة الوهابية الأساس الديني الذي تقوم عليه الدولة السعودية التي نشأت جنباً إلى جنب مع العقيدة الوهابية وسايرتها في مراحل تطورها والتي قامت في جوهرها على” محاربة البدع وضرورة التغير وإحياء مفاهيم التنزيه وسلطة الشريعة ومبدأ الجهاد” وجاء تشكلها في وقت شهد فيه مجتمع الجزيرة العربية حالة من الانحطاط الفكري والانحلال الأخلاقي وانتشار فقه الاقتداء والتسليم وروح الجبرية وانتظار الخلاص الوشيك، معتبرة كل السلوكيات المرافقة لها بدع دينية ” شركية” لا يمكن التعايش معها.

تشهد السنوات الأخيرة عدد من التغيرات التي تمس جوهر هذه العقيدة دافعةً بالمجتمع نحو تبنى قيم “حداثية” كانت في ما مضى خطوط حمراء لا يجوز تخطيها بوصفها انحلالاً أخلاقياً، فالعقيدة الوهابية قامت على محاربة الانحلال الأخلاقي والفكري ومن هذه التغيرات التي دعمتها ” هيئة الترفيه*” في المملكة العربية السعودية

المهرجانات الغنائية التي تشهد حضوراً جماهيرياً لافتاً، وأنشطة رياضية كانت محظورة في السابق ” المصارعة الحرة للنساء “, العروض المسرحية، صالات للبلوت، وصولاً إلى افتتاح سلسلة النوادي الليلية “وايت ” الديسكو الحلال” الذي شهد صخباً شعبياً عارماً[1]

ترافقت هذه الأنشطة مع صدور فتاوى دينية من شخصيات تحسب على التيار الوهابي مما ينبئ بظهور شرخ بين القيم التي كانت تتبناها الدولة والمجتمع وبين الواقع الجديد.

تطلب تشريع هذه النشاطات اعتقال كل من عارض هذه السلوكيات والأنشطة والفتاوى المشرعة لها فإلى جانب اعتقال أصحاب الرأي السياسي شهدت المملكة مطلع عام 2017 اعتقال عدد من رجال الدين الذين عارضوا أنشطة هيئة الترفيه منهم سلمان العودة، ناصر العمر، عوض القرني، علي العمري، إضافة إلى اعتقال شعراء ومفكّرين منذ سنوات، لمخالفتهم رأي السلطة الحاكمة[2].

لم تشهد الدولة السعودية انفكاك للمجتمع السعودي عن العقيدة الوهابية في مختلف مراحلها بحيث أصبحت العقيدة الوهابية السمة الدينية الملازمة للدولة والمؤثرة فيها قوةً وضعفاً[3].

ثانياً: الأسرة الملكيّة

يعتبر نظام الحكم في المملكة العربية السعودية جزء أصيل من الأنظمة السياسية الحاكمة في الشرق الأوسط والتي تتراوح بين النظام الشخصي القائم على كاريزمية الحاكم ويمثلها مصر في عهد جمال عبد الناصر مروراً بنظام الحزب الواحد العراق وسوريا في عهد حزب البعث وصولاً للنظام الملكي التقليدي الحاكم في منطقة الخليج العربي.

لا غرابة في كون النظام الملكي هو النظام الحاكم للدولة السعودية فهو امتداد طبيعي للشكل السياسي لبنية القبيلة العربية التقليدية، أصدر الملك عبد الله بن عبد العزيز عام 2006 مرسوماً ملكياً بتشكيل نظام هيئة البيعة، مهام الهيئة “تأمين انتقال الحكم ضمن آل سعود عبر المشاركة في اختيار ولي العهد، والحفاظ على كيان الدولة وعلى وحدة الأسرة المالكة وتعاونها وعدم تفرقها وعلى الوحدة الوطنية ومصالح الشعب”.

ينص النظام الأساسي للبيعة على أن يعمد الملك بعد مبايعته وبعد التشاور مع أعضاء الهيئة، الى اختيار من يراه مناسباً لولاية العهد على أن يعرض بعد ذلك اختيار الملك على الهيئة لترشح واحداً منهم، وفي حالة عدم ترشيحها لأيٍّ منهم فعلى الهيئة ترشيح من تراه مناسباً لولاية للعهد، وفي حالة عدم موافقة الملك على ترشيح الهيئة، تقوم الهيئة بعملية تصويت بين مَن رشحته والآخر يختاره الملك[4].

شهد عام 2015م وصول الملك سلمان بن عبد العزيز لسدة الحكم في المملكة العربية السعودية بعد وفاة أخيه الملك عبد الله بن عبد العزيز والذي كان قد استحدث بأمر ملكي منصب ولي ولي العهد عام  2014وأصبح الأمير مقرن بن عبد العزيز أول من يشغل هذا المنصب، وقضى الأمر ضمناً بتعيين ولي العهد القادم ملكاً (في حال وفاة الملك)، ونص الأمر الملكي على أنه “للملك -مستقبلاً- في حال رغبته اختيار ولي لولي العهد أن يعرض من يرشحه لذلك على أعضاء هيئة البيعة، ويَصدُر أمر ملكي باختياره بعد موافقة أغلبية أعضاء هيئة البيعة”, وضمن حزمة أوامر ملكية، عين الملك سلمان نجله محمد بن سلمان يوم 29 أبريل/نيسان 2015 ولياً لولي العهد، خلفا للأمير محمد بن نايف الذي أصبح وليا للعهد، وأعفى بموجبها أخاه الأمير مقرن بن عبد العزيز من ولاية العهد “بناء على طلبه”.

في يوم 21 يونيو/حزيران 2017، أصدر الملك سلمان حزمة أوامر ملكية قضت بإجراء تعديل على النظام الأساسي للحكم فيما يتعلق بالملك وولي العهد مستقبلا، وبتعيين نجله محمد بن سلمان وليا للعهد، وإعفاء الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد. وبموجب التعديل أضيفت جملة تنص على أنه “لا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكاً وولياً للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس”، وهو ما يعني أن ملك السعودية القادم إذا لم يكن من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز، وكان من أحفاده، فإن ولي عهده يجب أن يكون من فرع آخر من ذرية الملك عبد العزيز، وأن الملك لو كان من أحفاد الملك عبد العزيز لا يستطيع تعيين نجله وليا للعهد، وبموجب هذا التعديل فإن محمد بن سلمان حال توليه حكم المملكة مستقبلا لن يستطيع أن يورث الحكم لأحد أنجاله[5].

والذي قام بدوره باعتقال وإبعاد كل من يمكن أن يؤثر على سلاسة انتقال السلطة له في المستقبل مثل أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف اللذان تم اعتقالهما في يوم 2020\3\6م بتهمة الخيانة العظمى.

ويشهد نظام الحكم تغيراً أخر لا يقل تأثيراً عن سابقه حيث شكل إعلان رؤية 2030 بقيادة محمد بن سلمان والتركيز الإعلامي على شخصه وسط إبعاد كل من يمكن أن يعترض على هذا النمط من الحكم وتغيب كل من يمتلك القدرة على التأثير في المجتمع السعودي ويشكل رقابة على سلوكيات محمد بن سلمان أمثال الشيخ سلمان العودة, مقابل ظهور عدد من رجال الدين الذين يتحدثون عن ” مناقب ومآثر” محمد ابن سلمان, حيث يشير ذلك إلى إمكانية تحول نظام الحكم من نظام ملكي يقوم على الأسرة الحاكمة إلى نظام ملكي شخصي يستند إلى كاريزمية الشخص الحاكم في ظل غياب التشريعات التي تسمح لمحمد بن سلمان أن يعين أحد من أبنائه ولي للعهد.

ثالثاً: دورها كمركز للعالم الإسلامي

تقوم هذه الدعامة على اعتبار المملكة العربية السعودية مركز للعالم الإسلامي وهي ذات منظور داخلي وخارجي حيث تمثل هذه الركيزة أساس للشرعية على المستوى الداخلي والخارجي للمملكة وتلعب دوراً أساسياً في الخطاب الخارجي الذي تصدره المملكة للعالم الخارجي على المستوى العربي والإسلامي والدولي ، ويمثل وجود الحرمين الشريفين” المسجد الحرام في مكة و الحرم النبوي في المدينة” المصدر الرئيس لخطاب مركزية المملكة العربية السعودية للعالم الإسلامي، وقد اعتاد ملوك المملكة العربية السعودية إطلاق لقب ” خادم الحرمين الشريفين” على أنفسهم وكان الملك فهد بن عبد العزيز أول من أطلق على نفسه هذا اللقب من ملوك المملكة رسمياً عام 1986 تيمناً بصلاح الدين الأيوبي والسلطان سليم الأول[6].

رغم تصدير المملكة العربية السعودية خطاب خارجي يصفها كمركز للعالم الإسلامي وراعي لقضايا المسلمين في العالم إلا أن السياسة الخارجية السعودية لم تتطابق مع الخطاب السياسي ويتجلى ذلك من خلال تفاعلها مع القضايا الإسلامية

  • صفقة القرن: يشكل الدعم السياسي السعودي لصفقة القرن أحد أهم المواقف التي تتعارض مع خطابها الخارجي بوصفها مركز للعالم الإسلامي حيث يُنظر لهذا الموقف على أنه خذلان للقضية والشعب الفلسطيني وتخلي عن فكرة القدس عاصمة للدولة الفلسطينية مع ما تحمله هذه المدينة من قداسة لدى الشعوب الإسلامية.

  • الموقف من الحركات الإسلامية: على الرغم من دعم المملكة في مرحلة من المراحل نضال الحركات الإسلامية في أفغانستان إبان الحرب الباردة إلا أن المملكة أخضعت دعم الحركات الإسلامية للتفاهمات السياسية في الوقت الذي كان يجب عليها أن لا تخضع دعمها لهذه الحركات لأي تفاهم سياسي بوصفها قائد ومركز للعالم الإسلامي، ليتحول موقفها إلى مناهض لتيار الإسلام السياسي الذي صعد بشكل لافت بعد ثورات الربيع العربي ويعتبر تأييدها للانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي في مصر على الرئيس محمد مرسي “الرئيس المنتخب الشرعي” إبان ثورة يناير من عام 2011 أحد أهم أشكال المناهضة الواضحة للتيارات الإسلامية. وقد يؤثر ذلك بشكل سلبي على دورها كمركز للعالم الإسلامي.

خاتمة:
يقوم النظام السياسي في المملكة العربية السعودية على ثلاث ركائز أسياسية تمنح نظام الحكم الشرعية اللازمة وهي العقيدة الوهابية والأسرة الملكية والدور الخارجي للمملكة كمركز للعالم الإسلامي، إلا أن التغييرات التي تشهدها المملكة والتي تتعلق بالخروج عن الضوابط المجتمعية التي حددتها العقيدة الوهابية  واعتقال كل ممن يحرم هذه السلوكيات ينبأ بتراجع دور العقيدة الوهابية كمقياس قيمي مقابل بروز عوامل تفسخ مجتمعي بين السلطة الحاكمة والمجتمع، وحالة اغتراب قيمي بين الثوابت العقدية وواقع المجتمع التي قد تؤدي إلى ظهور تيارات متناقضة داخل المجتمع الواحد ،واحتمالية نشوب صراعات بين المحافظين على هذه القيم وبين من يعمل على التحرر منها،  وازدياد موجات المعارضة السياسية ذات الطابع العقائدي.

والتغيير الأخر يتمثل بالاعتقالات التي طالت أفراد من الأسرة الملكية بهدف تعزيز سلطة الأمير محمد بن سلمان والذي قد يؤدي إلى حدوث انقسامات وصراعات داخل الأسرة الحاكمة مما يفقد النظام شرعية استمراريته وسط تراجع القيمة المجتمعية لآل سعود في مجتمع قبلي يثّمن المكانة الاجتماعية والتلاحم الأسري، مقابل ظهور طبقة ممن يعمل على تبرير سياسات السلطة الحاكمة بهدف تحقيق مكاسب شخصية.

إضافة إلى تراجع دور المملكة الخارجي بوصفها مركز للعالم الإسلامي، في ظل الازمات التي تعصف بالعالم الإسلامي وتنامي التهديدات على المدى المنظور والمستقبلي مع تراجع شعبية المملكة العربية السعودية على مستوى الشعوب الإسلامية نتيجة سياسات المملكة الخارجية وطريقة تفاعليها مع القضايا الإسلامية.

 كل هذه التغييرات السابقة يمكن أن تعمل على إفقاد نظام الحكم في المملكة الشرعية اللازمة للحكم، بحيث يصعب التنبؤ بمألات هذه التغيرات وقدرتها على بناء أسس شرعية جديدة للحكم.

……………………………………………………………………………………………

*تماشياً مع رؤية المملكة 2030، تأسست الهيئة العامة للترفيه لتقوم على تنظيم وتنمية قطاع الترفيه في المملكة وتوفير الخيارات والفرص الترفيهية لكافة شرائح المجتمع في كل مناطق المملكة، لاثراء الحياة ورسم البهجة. ولتقوم على تحفيز دور القطاع الخاص في بناء وتنمية نشاطات الترفيه.
[1] أول “ديسكو حلال” في جدة يشعل مواقع التواصل, موقع الجزيرة, 2019\6\12, http://bit.ly/2wEL44n, أخر تحديث 2020\3\9م
[2] في “الترفيه” بالسعودية.. تغريب وانتقادات وتحرش وتوقيفات (إطار), وكالة الاناضول, 2020\1\8م, http://bit.ly/3cCqH8B, أخر تحديث 2020\3\9
[3] صالح الفوزان، من هم الوهابية؟ …الشيخ /صالح الفوزان( حفظه الله).،2017/12/14،د4، https://www.youtube.com/watch?v=wOTmojmKVFg ، أخر تحديث 2020/3/12 م
[4] سهى زين الدين, آلية انتقال السلطة في السعودية, BBC عربي, 16 يونيو/ حزيران 2012, https://bbc.in/3cIgIhV, أخر تحديث 2020\3\9م
[5] آلية انتقال الحكم في السعودية, موسوعة الجزيرة, http://bit.ly/2Q0fF37, أخر تحديث 2020\3\9م
[6] أحمد سمير، خادم الحرمين الشريفين.. لقب اشتهر بالسعودية لكنه ولد بمصر قبل قرون، الجزيرة،2018/12/2، https://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2018/12/3/%d8%ae%d8%a7%d8%af%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%8a%d9%81%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d9%88%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%b5%d8%b1، أخر تحديث 2020/3/12

 

لتحميل كامل الورقة بصيغة PDF⇓

أزمة الشرعية في المملكة العربية السعودية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *