آثار فتح المعابر بين مناطق النظام والمناطق المحررة
أ. أحمد محمد طالب
المركز السوري سيرز 03.04.2021
تعاني المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري من وضع اقتصادي كارثي يتمثل في انهيار الليرة السورية وغلاء الأسعار مع بقاء دخل المواطن العادي على حاله القديم.
بينما تعيش المناطق المحررة في حال أحسن بسبب تداول عملات أخرى كالليرة التركية والدولار وهو ما جعل تغير الدخل متناسب طرداً مع الأسعار لأغلب المواطنين، لكن هذا لا يعني أن هذه المناطق في حالة رخاء بل تنتشر البطالة بشكل كبير ومعدلات الأجور لا تزال منخفضة والكثافة السكانية عالية جداً مع عدم وجود منشآت صناعية أو أسواق تجارية تتيح الفرصة للسوريين بتحسين أوضاعهم.
ومع هذه الظروف نسمع بين الحين والآخر حديثاً من هنا وهناك عن مقترحات روسية لفتح المعابر التجارية بين المناطق المحررة ومناطق سيطرة النظام، ويكثر الجدل حول المستفيد من هذه المعابر، وسبب طرح الروس لها كل فترة وإصرارهم عليها، سنحاول من خلال هذه الورقات قراءة الموضوع من عدة جوانب.
أسباب تدهور الاقتصاد عند النظام
يستمر النظام السوري بالحديث عن الحصار الذي يتعرض له والعقوبات المفروضة عليه مشيراً أنها سبب الكارثة الاقتصادية في المناطق التي يسيطر عليها، ورغم كون ذلك مؤثراً إلا أنه ليس العامل المسبب الأول، فالنظام لا يملك المقومات التي تساعده على الانتعاش في حال عدم وجود حصار مفروض عليه، ونذكر بعض تلك الأسباب كما يلي:
الواقع المعيشي في الشمال السوري
أيضاً في مناطق الشمال السوري والتي تحررت من سيطرة النظام يعيش السكان حالة من الضيق والمعاناة الاقتصادية، رغم أنها أفضل حالاً من مناطق النظام إلا أنها تعاني لكثير من الأسباب، منها:
من المستفيد اقتصادياً من فتح المعابر؟
لا يمكن القول بأنه لا توجد فوائد أبداً للتبادل التجاري سواء للمناطق المحررة أو لمناطق النظام أو للنظام نفسه، ولكن نستطيع تقدير تلك المصالح المتوقعة للطرفين لموازنة الأمور قبل اتخاذ القرار المناسب.
مع استعراض الأسباب التي أدت إلى انهيار اقتصاد النظام السوري سنجد أن كثيراً منها لن يغير فتح المعابر فيه شيء، فالفساد لازال منتشراً، والبنية التحتية لا زالت مدمرة، وكذلك قطاعي الزراعة والسياحة، ولن تعود رؤوس الأموال والكفاءات المهجرة بمجرد فتح المعابر، وحتى الحرب لو سلمنا أنها ستهدأ مؤقتاً إلا أن التكاليف العسكرية ستبقى باهظة بسبب استمرار التجهيز لمعارك مقبلة.
يمكن حصر الفوائد الاقتصادية التي سيجنيها النظام بدخول البضائع من المناطق المحررة والتي تأتي من خلال تركيا، ولكن الأسعار لن تكون منخفضة لأن التعامل سيكون بعملات أخرى غير الليرة السورية التي صارت قيمتها في أدنى مستوى.
وأيضاً المناطق المحررة لن تحقق تلك الفائدة الكبرى، فستبقى الخدمات غير موجودة والسلع غير مدعومة والقطاعات المسيطرة هي تلك التي تسعى للربح السريع، وحال المهجرين سيظل صعباً حيث لن تؤمن عودتهم إلى بيوتهم بمجرد فتح المعابر التجارية، حتى البضائع التي تباع في مناطق النظام بسعر أقل فإنها لن تصل إلا بسعر مرتفع بسبب الاحتكار والرسوم التي ستفرض على الحواجز، بالمقابل سيكون لدى بعض التجار أو الصناع في المناطق المحررة القدرة على إرسال البضائع إلى مناطق النظام وهي سوق تصريف للمنتجات ربما يحتاجونها فعلاً.
يمكن النظر إلى الفوائد سيجنيها المسيطرون على الحواجز سواء النظام أو الفصائل المسيطرة في المناطق المحررة عن طريق فرض الرسوم على الشحنات أنها منافع سيجنيها النظام وتجنيها الفصائل لكنها لن تنعكس على عموم الشعب السوري.
قصة المساعدات الإنسانية
منذ عام 2014 والمساعدات الإنسانية تدخل إلى المناطق المحررة عبر الحدود التركية بدون حاجة إلى تفويض من النظام، واستمر ذلك حتى مطلع تموز 2020 حيث استخدمت روسيا والصين فيتو مزدوج أسقطتا من خلاله مشروع قرار بلجيكي-ألماني يجدد تفويض عمليات إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى شمال غربي سوريا، وكانت المسودة قد اقترحت تجديد التفويض لاستخدام معبري باب الهوى وباب السلامة الحدوديين وإدخال المساعدات الإنسانية من تركيا إلى شمال غربي سوريا لمدة إضافية.
وبعد محاولات عديدة أقر مجلس الأمن تمديد دخول المساعدات من معبر واحد هو معبر باب الهوى لمدة عام.
ومع اقتراب انتهاء العام بدأت روسيا الحديث عن ضرورة دخول المساعدات عبر حكومة النظام السوري حصراُ باعتبارها الحكومة الشرعية في البلاد حسب رأيها.
لماذا تريد روسيا دخول المساعدات من خلال النظام؟
علاقة فتح المعابر بالمساعدات
تسعى روسيا باستمرار إلى تقوية موقفها في مجلس الأمن وتعزيز روايتها حول الحكومة الشرعية وضرورة التعامل معها، ولا بد من إظهارها بمظهر الحريص على المدنيين، ولذلك نجد أن تصريحات الروس تتحدث عن معابر إنسانية لتحسين أحوال المدنيين في مناطق الشمال السوري.
أيضاً لا بد من وجود طريق تمر منه الشاحنات من دمشق إلى الشمال لتقوية حجة روسيا أمام مجلس الأمن في الادعاء أنه لا داعي لاستخدام معبر باب الهوى أو غيره لإدخال المساعدات.
في النهاية،
إن فتح المعابر ربما يحقق بعض الفوائد الاقتصادية للمناطق المحررة، وكذلك سيحقق فوائد للنظام السوري ربما تكون أكبر، ولكن الأكثر واقعية أن روسيا تريد من اقتراحها شيئاً أكبر من ذلك مرتبط بدخول المساعدات الإنسانية، يعزز هذا الرأي توقيت طرح القضية قبل ثلاثة أشهر من انتهاء المدة المحددة في القرار السابق الذي نص على تمديد دخول المساعدات من معبر باب الهوى.
لتحميل الورقة بصيغة بي دي اف PDF